طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء واليها الاشارة بقوله تعالى إليه يصعد الكلم الطيب أي المعرفة والعمل الصالح يرفعه فالعمل الصالح كالجمال لهذه المعرفة وكالخادم وانما العمل الصالح كله في تطهير القلب أولا من الدنيا ثم ادامة طهارته فلا يراد العمل الا لهذه المعرفة وأما العلم بكيفية العمل فيراد للعمل فالعلم هو الأول وهو الآخر وانما الأول علم المعاملة وغرضه العمل وغرض المعاملة صفاء القلب وطهارته ليتضح فيه جلية الحق ويتزين بعلم المعرفة وهو علم المكاشفة ومهما حصلت هذه المعرفة تبعتها المحبة بالضرورة كما أن من كان معتدل المزاج اذا أبصر الجميل وأدركه بالعين الظاهرة أحبه ومال اليه ومهما أحبه حصلت اللذة فاللذة تبع المحبة بالضرورة والمحبة تبع المعرفة بالضرورة ولا يوصل الى هذه المعرفة بعد انقطاع شواغل الدنيا من القلب الا بالفكر الصافي والذكر الدائم والجد البالغ في الطلب والنظر المستمر في الله تعالى وفي صفاته وفي ملكوت سمواته وسائر مخلوقاته والواصلون الي هذه الرتبة ينقسمون الي الأقوياء ويكون أول معرفتهم بالله تعالى ثم به يعرفون غيره والى الضعفاء ويكون أول معرفتهم بالأفعال ثم يترقون منها الى الفاعل والى الأول الاشارة بقوله تعالى أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد وبقوله تعالى شهد الله أنه لا اله الا هو ومنه نظر بعضهم حيث قيل له بم عرفت ربك قال عرفت ربي ولولا ربي لما عرفت ربي والى الثاني الاشارة بقوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق الآية وبقوله D أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وبقوله تعالى قل انظروا ماذا في السموات والأرض وبقوله تعالى الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا وهو حسير وهذا الطريق هو الأسهل على الأكثرين وهو الأوسع على السالكين واليه أكثر دعوة القرآن عند الأمر بالتدبر والتفكر والاعتبار والنظر في آيات خارجة عن الحصر فان قلت كلا الطريقين مشكل فأوضح لنا منهما ما يستعان به على تحصيل المعرفة والتوصل به الي المحبة فاعلم أن الطريق الأعلى هو الاستشهاد بالحق سبحانه على سائر الخلق فهو غامض والكلام فيه خارج عن حد فهم أكثر الخلق فلا فائدة في ايراده في الكتب وأما الطريق الأسهل الأدنى فأكثره غير خارج عن حد الأفهام وانما قصرت الأفهام عنه لاعراضها عن التدبر واشتغالها بشهوات الدنيا وحظوظ النفس والمانع من ذكر هذا اتساعه وكثرته وانشعاب أبوابه الخارجة عن الحصر والنهاية إذ مامن ذرة من أعلى السموات الى تخوم الأرضين الا وفيها عجائب آيات تدل على كمال قدرة الله تعالى وكمال حكمته ومنتهى جلاله وعظمته وذلك مما لا يتناهى قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي فالخوض فيه انغماس في بحار علوم المكاشفة ولا يمكن أن يتطفل به على علوم المعاملة ولكن يمكن الرمز الي مثال واحد على الايجاز ليقع التنبيه لجنسه فنقول أسهل الطريقين النظر الي الأفعال فلنتكلم فيها ولنترك الأعلى ثم الأفعال الالهية كثيرة فنطلب أقلها وأحقرها وأصغرها ولننظر في عجائبها فأقل المخلوقات هو الأرض وما عليها أعني بالاضافة الي الملائكة وملكوت السموات فانك ان نظرت فيها من حيث الجسم والعظم في الشخص فالشمس على ما ترى من صغر حجمها هي مثل الأرض مائة ونيفا وستين مرة فانظر الى صغر الأرض بالاضافة اليها ثم انظر الى صغر الشمس بالاضافة الى