ذلك في عالم سبعيته وما هو موصوف به من قدرته وسطوته ولله المثل الأعلى ولكن من عرفه عرف بالمشاهدة الباطنة التي هي أقوى وأوثق وأجلى من المشاهدة الظاهرة أنه صادق في قوله هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي ويكفيك من موجبات الهيبة والخوف المعرفة بالإستغناء وعدم المبالاة الطبقة الثانية من الخائفين أن يتمثل في أنفسهم ما هو المكروه وذلك مثل سكرات الموت وشدته أو سؤال منكر ونكير أو عذاب القبر أو هول المطلع أو هيبة الموقف بين يدي الله تعالى والحياء من كشف الستر والسؤال عن النقير والقطمير أو الخوف من الصراط وحدته وكيفية العبور عليه أو الخوف من النار وأغلالها وأهوالها أو الخوف من الحرمان عن الجنة دار النعيم والملك المقيم وعن نقصان الدرجات أو الخوف من الحجاب عن الله تعالى وكل هذه الأسباب مكروهة في نفسها فهي لا محالة مخوفة تختلف أحوال الخائفين فيها .
وأعلاها رتبة هو خوف الفراق والحجاب عن الله تعالى وهو خوف العارفين وما قبل ذلك هو خوف العاملين والصالحين والزاهدين وكافة العالمين ومن لم تكمل معرفته ولم تنفتح بصيرته لم يشعر بلذة الوصال ولا بألم البعد والفراق وإذا ذكر له أن العارف لا يخاف النار وإنما يخاف الحجاب وجد ذلك في باطنه منكرا وتعجب منه في نفسه وربما أنكر لذة النظر إلى وجه الله الكريم لولا منع الشرع إياه من إنكاره فيكون إعترافه به باللسان عن ضرورة التقليد وإلا فباطنه لا يصدق به لأنه لا يعرف إلا لذة البطن والفرج والعين بالنظر إلى الألوان والوجوه الحسان وبالجملة كل لذة تشاركه فيها البهائم فأما لذة العارفين فلا يدركها غيرهم وتفصيل ذلك وشرحه حرام مع من ليس أهلا له ومن كان أهلا له استبصر بنفسه واستغنى عن أن يشرحه له غيره فإلى هذه الأقسام يرجع خوف الخائفين نسأل الله تعالى حسن التوفيق بكرمه .
بيان فضيلة الخوف والترغيب فيه .
أعلم أن فضل الخوف تارة يعرف بالتأمل والإعتبار وتارة بالآيات والأخبار .
أما الإعتبار فسبيله أن فضيلة الشيء بقدر غنائه في الإفضاء إلى سعادة لقاء الله تعالى في الآخرة إذ لا مقصود سوى السعادة ولا سعادة للعبد إلا في لقاء مولاه والقرب منه فكل ما أعان عليه فله فضيلة وفضيلته بقدر غايته وقد ظهر أنه لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة إلا بتحصيل محبته والأنس به في الدنيا ولا تحصل المحبة إلا بالمعرفة ولاتحصل المعرفة إلا بدوام الفكر ولا يحصل الأنس إلا بالمحبة ودوام الذكر ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر إلا بإنقطاع حب الدنيا من القلب ولا ينقطع ذلك إلا بترك لذات الدنيا وشهواتها ولا يمكن ترك المشتهيات إلا بقمع الشهوات ولا تنقعمع الشهوة بشىء كما تقمع بنار الخوف فالخوف هو النار المحرقة للشهوات فإن فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات وبقدر ما يكف عن المعاصي ويحث على الطاعات ويختلف ذلك بإختلاف درجات الخوف كما سبق وكيف لا يكون الخوف ذا فضيلة وبه تحصل العفة والورع والتقوى والمجاهدة وهي الأعمال الفاضلة المحمودة التي تقرب إلى الله زلفى .
وأما بطريق الإقتباس من الآيات والأخبار فما ورد في فضيلة الخوف خارج عن الحصر وناهيك دلالة على فضيلته جمع الله تعالى للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان وهي مجامع مقامات أهل الجنان وقال الله تعالى وهدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون وقال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وصفهم بالعلم لخشيتهم .
وقال D رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشى ربه وكل ما دل على فضيلة العلم دل على فضيلة الخوف لأن الخوف ثمرة العلم ولذلك جاء في خبر موسى عليه أفضل الصلاة والسلام وأما الخائفون