عماذا يظهر ويرتبط قلب الآخر بحالة توقيع الملك وكيفيته وأنه ما الذي خطر له في حال التوقيع من رحمة أوغضب وهذا التفات إلى السبب فهو أعلى من الإلتفات إلى ما هو فرع فكذلك الإلتفات إلى القضاء الأزلي الذي جرى بتوقيعه القلم أعلى من الإلتفات إلى ما يظهر في الأبد وإليه أشار النبي A حيث كان على المنبر فقبض كفيه اليمنى ثم قال هذا كتاب الله كتب فيه أهل الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم لا يزاد فيهم ولا ينقص ثم قبض كفه اليسرى وقال هذا كتاب الله كتب فيه أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم لا يزاد فيهم ولا ينقص وليعملن أهل السعادة بعمل أهل الشقاوة حتى يقال كأنهم مونهم بل هم هم ثم يستنقذهم الله قبل الموت ولو بفواق ناقة وليعملن أهل الشقاوة بعمل أهل السعادة حتى يقال كأنهم منهم بل هم هم ثم يستخرجهم الله قبل الموت ولو بفواق ناقة السعيد من سعد بقضاء الله والشقي من شقى بقضاء الله والأعمال بالخواتيم // حديث هذا كتاب من الله كتب فيه أهل الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم الحديث أخرجه الترمذي من حديث عبد الله ابن عمر بن العاص وقال حسن صحيح غريب // وهذا كإنقسام الخائفين إلى من يخاف معصيته وجنايته وإلى من يخاف الله تعالى نفسه لصفته وجلاله وأوصافه التي تقتضى الهيبة لا محالة فهذا أعلى رتبة ولذلك يبقى خوفه وإن كان في طاعة الصديقين وأما الآخر فهو في عرضة الغرور والأمن .
إن واظب على الطاعات فالخوف من المعصية خوف الصالحين والخوف من الله خوف الموحدين والصديقين وهو ثمرة المعرفة بالله تعالى وكل من عرفه وعرف صفاته علم من صفاته ما هو جدير بأن يخاف من غير جناية بل العاصي لو عرف الله حق المعرفة لخاف الله ولم يخف معصيته ولولا أنه مخوف في نفسه لما سخره للمعصية ويسر له سبيلها ومهد له أسبابها فإن تيسير أسباب المعصية إبعاد ولم يسبق منه قبل المعصية معصية استحق بها أن يسخر للمعصية وتجرى عليه أسبابها ولا سبق قبل الطاعة وسيلة توسل بها من يسرت له الطاعات ومهد له سبيل القربات فالعاصي قد قضى عليه بالمعصية شاء أم أبى وكذا المطيع فالذي يرفع محمد A إلى أعلى عليين من غير وسيلة سبقت منه قبل وجوده ويضع أبا جهل في أسفل سافلين من غير جناية سبقت منه قبل وجوده جدير بأن يخاف منه لصفة جلاله فإن من أطاع الله أطاع بأن سلط عليه إرادة الطاعة وآتاه القدر وبعد خلق الإرادة الجازمة والقدرة التامة يصير الفعل ضروريا والذي عصى عصى لأنه سلط عليه إرادة قوية جازمة وآتاه الأسباب والقدرة فكان الفعل بعد الإرادة والقدرة ضروريا فليت شعرى ما الذي أوجب إكرام هذا وتخصيصه بتسليط إرادة الطاعات عليه وما الذي أوجب إهانة الآخر وإبعاده بتسليط دواعي المعصية عليه وكيف يحال ذلك على العبد وإذا كانت الحوالة ترجع إلى القضاء الأزلي من غير جناية ولا وسيلة فالخوف ممن يقضى بما يشاء ويحكم بما يريد حزم عند كل عاقل ووراء هذا المعنى سر القدر لا يجوز إفشاؤه ولا يمكن أن تفهم الخوف منه في صفاته جل جلاله إلا بمثال لولا إذن الشرع لم يستجرىء على ذكره ذو بصيرة فقد جاء في الخبر إن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود خفني كما تخاف السبع الضاري // حديث إن الله تعالى أوحى إلى داود يا داود خفني كما يخاف السبع الضاري لم أجد له أصلا ولعل المصنف قصد بإيراده أنه من الإسرائيليات فإنه عبر عنه بقول جاء في الخبر وكثيرا ما يعبر بذلك عن الإسرائيليات التي هي غير مرفوعة // فهذا المثال يفهمك حاصل المعنى وإن كان لا يقف بك على سببه فإن الوقوف على سببه وقوف على سر القدر ولا يكشف ذلك إلا لأهله .
والحاصل أن السبع يخاف لا لجناية سبقت إليه منك بل لصفته وبطشه وسطوته وكبره وهيبته ولأنه يفعل ما يفعل ولا يبالي فإن قتلك لم يرق قلبه ولا يتألم بقتلك وإن خلاك لم يخلك شفقة عليك وإبقاء على روحك بل أنت عنده أخس من أن يلتفت إليك حيا كنت أو ميتا بل إهلاك ألف مثلك وإهلاك نملة عنده على وتيرة واحدة إذ لا يقدح