الفكر والمجاهدة والترقي في درجات المعارف في كل لحظة رتبة شهيد وشهداء ولولا هذا لكانت رتبة صبي يقتل أو مجنون يفترسه سبع أعلى من رتبة نبي أو ولي يموت حتف أنفه وهو محال فلا ينبغي أن يظن هذا بل أفضل السعادات طول العمر في طاعة الله تعالى فكل ما أبطل العمر أو العقل أو الصحة التي يتعطل العمر بتعطيلها فهو خسران ونقصان بالإضافة إلى أمور وإن كان بعض أقسامها فضيلة بالإضافة إلى أمور أخر كما كانت الشهادة فضيلة بالإضافة إلى ما دونها لا بالإضافة إلى درجة المتقين والصديقين فإذن الخوف إن لم يؤثر في العمل فوجوده كعدمه مثل السوط الذي لا يزيد في حركة الدابة وإن أثر فله درجات بحسب ظهور أثره فإن لم يحمل إلا على العفة وهي الكف عن مقتضى الشهوات فله درجة فإذا أثمر الورع فهو أعلى وأقصى درجاته أن يثمر درجات الصديقين وهو أن يسلب الظاهر والباطن عما سوى الله تعالى حتى لا يبقى لغير الله تعالى فيه متسع فهذا أقصى ما يحمد منه وذلك مع بقاء الصحة والعقل فإن جاوز هذا إلى إزالة العقل والصحة فهو مرض يجب علاجه إن قدر عليه ولو كان محمودا لما وجب علاجه بأسباب الرجاء وبغيره حتى يزول ولذلك كان سهل C يقول للمريدين الملازمين للجوع أياما كثيرة احفظوا عقولكم فإنه لم يكن لله تعالى ولي ناقص العقل .
بيان أقسام الخوف بالإضافة إلى ما يخاف منه .
اعلم أن الخوف لا يتحقق إلا بإنتظار مكروه والمكروه أما أن يكون مكروها في ذاته كالنار وإما أن يكون مكروها لأنه يفضى إلى المكروه كما تكره المعاصي لأدائها إلى مكروه في الآخرة وكما يكره المريض الفواكه المضرة لأدائها إلى الموت فلا بد لكل خائف من أن يتمثل في نفسه مكروها من أحد القسمين ويقوى إنتظاره في قلبه حتى يحرق قلبه بسبب استشعاره ذلك المكروه ومقام الخائفين يختلف فيما يغلب على قلوبهم من المكروهات المحذورة فالذين يغلب على قلوبهم ما ليس مكروها لذاته بل لغيره كالذين يغلب عليهم خوف الموت قبل التوبة أو خوف نقض التوبة ونكث العهد أو خوف ضعف القوة عن الوفاء بتمام حقوق الله تعالى أو خوف زوال رقة القلب وتبدلها بالقساوة .
أو خوف الميل عن الإستقامة أو خوف إستيلاء العادة في اتباع الشهوات المألوفة أو خوف أن يكله الله تعالى إلى حسناته التي أتكل عليها وتعزز بها في عباد الله أو خوف البطر بكثرة نعم الله عليه أو خوف الإشتغال عن الله بغير الله أو خوف الإستدراج بتواتبر النعم أو خوف إنكشاف غوائل طاعاته حيث يبدو له من الله ما لم يكن يحتسب أو خوف تبعات الناس عنده في الغيبة والخيانة والغش وإضمار السوء أو خوف ما لا يدرى أنه يحدث في بقية عمره أو خوف تعجيل العقوبة في الدنيا والإفتضاح قبل الموت أو خوف الإغترار بزخارف الدنيا أو خوف إطلاع الله على سريرته في حال غفلته عنه .
أو خوف الختم له عند الموت بخاتمة السوء أو خوف السابقة التي سبقت له في الأزل .
فهذه كلها مخاوف ولكل واحد خصوص فائدة وهو سلوك سبيل الحذر عما يفضى إلى المخوف فمن يخاف استيلاء العادة عليه فيواظب على الفطام عن العادة والذي يخاف من إطلاع الله تعالى على سريرته يشتغل بتطهير قلبه عن الوساوس وهكذا إلى بقية الأقسام .
وأغلب هذه المخاوف على اليقين خوف الخاتمة فإن الأمر فيه مخطر وأعلى الأقسام وأدلها على كمال المعرفة خوف السابقة لأن الخاتمة تتبع السابقة وفرع يتفرع عنها بعد تخلل أسباب كثيرة فالخاتمة تظهر ما سبق به القضاء في أم الكتاب والخائف من الخاتمة بالإضافة إلى الخائف من السابقة كرجلين وقع الملك في حقهما بتوقيع يحتمل أن يكون فيه حز الرقبة ويحتمل أن يكون في تسليم الوزارة إليه ولم يصل التوقيع إليهما بعد فيرتبط قلب أحدهما بحالة وصول التوقيع ونشره وأنه