الهموم في التدبيرات وكذا سائر اسباب الجاه ثم مهما تسلم وتتم الاسباب ينقضي العمر حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس فضرب الله تعالى لها مثلا فقال تعالى واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح والزهد في الدنيا لما ان كان ملكا حاضرا حسده الشيطان عليه فصده عنه .
ومعنى الزهد ان يملك العبد شهوته وغضبه فينقادان لباعث الدين واشارة الايمان وهذا ملك بالاستحقاق اذ به يصير صاحبه حرا وباستيلاء الشهوة عليه يصير عبدا لفرجه وبطنه وسائر اغراضه فيكون مسخرا مثل البهيمة مملوكا يستجره زمام الشهوة آخذا بمختنقه الى حيث يريد ويهوى فما اعظم اغترار الانسان اذ ظن انه ينال الملك بأنه يصير مملوكا وينال الربوبية بان يصير عبدا ومثل هذا هل يكون الا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخره ولهذا قال بعض الملوك لبعض الزهاد هل من حاجة قال كيف اطلب منك حاجة وملكي اعظم من ملكك فقال كيف قال من انت عبده فهو عبد لي فقال كيف ذلك قال انت عبد شهوتك وغضبك وفرجك وبطنك وقد ملكت هؤلاء كلهم فهم عبيد لي فهذا اذن هو الملك في الدنيا وهو الذي يسوق الى الملك في الاخرة فالمخدوعون بغرور الشيطان خسروا الدنيا والآخره جميعا والذين وفقوا للاشتداد على الصراط المستقيم فازوا بالدنيا والاخرة جميعا .
فإذا عرفت الان معنى الملك والربوبية ومعنى التسخير والعبودية ومدخل الغلط في ذلك وكيفية تعمية الشيطان وتلبيسة يسهل عليك النزوع عن الملك والجاه والإعراض عنه والصبر عند فواته اذ تصير بتركه ملكا في الحال وترجو به ملكا في الآخرة .
ومن كوشف بهذه الامور بعد ان ألف الجاه وانس به ورسخت فيه بالعادة مباشرة اسبابه فلا يكفيه في العلاج مجرد العلم والكشف بل لا بد وان يضيف اليه العمل وعمله في ثلاثة امور أحدها ان يهرب عن موضع الجاه كي لا يشاهد اسبابه فيعسر عليه الصبر مع الاسباب كما يهرب من غلبته الشهوة من مشاهدة الصور المحركة ومن لم يفعل هذا فقد كفر نعمة الله في سعة الارض اذ قال تعالى ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها الثاني ان يكلف نفسه في أعماله أفعالا تخالف ما اعتاده فيبدل التكلف بالتبذل وزي الحشمة بزي التواضع وكذلك كل هيئة وحال وفعل في مسكن وملبس ومطعم وقيام وقعود كان يعتاده وفاء بمقتضى جاهه فينبغي ان يبدلها بنقائضها حتى يرسخ باعتياد ذلك ضد ما رسخ فيه من قبل باعتياد ضده فلا معنى للمعالجة الا المضادة الثالث ان يراعي في ذلك التلطف والتدريج فلا ينتقل دفعة واحدة الى الطرف الأقصى من التبذل فإن الطبع نفور ولا يمكن نقله عن اخلاقه الا بالتدريج فيترك البعض ويسلى نفسه بالبعض ثم اذا قنعت نفسه بذلك البعض ابتدأ بترك البعض من ذلك البعض الى ان يقنع بالبقية وهكذا يفعل شيئا فشيئا الى ان يقمع تلك الصفات التي رسخت فيه والى هذا التدريج الاشارة بقوله Aإن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض الى نفسك عبادة الله فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وإليه الإشارة بقوله عليه السلام لا تشادوا هذا الدين فإن من يشاده يغلبه //