فإذن ما ذكرناه من علاج الصبر عن الوسواس وعن الشهوة وعن الجاه اضفه الى ما ذكرناه من قوانين طرق المجاهدة في كتاب رياضة النفس من ربع المهلكات فاتخذه دستورك لتعرف به علاج الصبر في جميع الاقسام التي فصلناها من قبل فان تفصيل الآحاد يطول ومن راعي التدريج ترقى به الصبر الى حال يشق عليه الصبر دون كما كان يشق عليه معه فتنعكس اموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا يصبر عنه وهذا لا يعرف الا بالتجربة والذوق وله نظير في العادات فان الصبي يحمل على التعلم في الابتداء قهرا فيشق عليه الصبر عن اللعب والصبر مع العلم حتى اذا انفتحت بصيرته وأنس بالعلم انقلب الامر فصار يشق عليه الصبر عن العلم والصبر على اللعب والى هذا يشير ما حكى عن بعض العارفين انه سأل الشبلى عن الصبر أية اشد فقال الصبر في الله تعالى فقال لا فقال الصبر لله فقال لا فقال الصبر مع الله فقال لا فقال فأيش قال الصبر عن الله فصرخ الشبلى صرخة كادت روحه تتلف وقد قيل في معنى قوله تعالى اصبروا وصابروا ورابطوا اصبروا في الله وصابروا بالله ورابطوا مع الله وقيل الصبر لله غناء والصبر بالله بقاء والصبر مع الله وفاء والصبر عن الله جفاء وقد قيل في معناه .
والصبر عنك فمذموم عواقبه ... والصبر في سائر الاشياء محمود .
وقيل ايضا الصبر يحمل في المواطن كلها ... الا عليك فانه لا يجمل .
هذا آخر ما اردنا شرحه عن علوم الصبر واسراره الشطر الثاني من الكتاب في الشكر .
وله ثلاثة اركان الاول في فضيلة الشكر وحقيقته واقسامه واحكامه الثاني في حقيقة النعمة واقسامها الخاصة والعامة الثالث في بيان الافضل من الشكر والصبر الركن الأول في نفس الشكر بيان فضيلة الشكر .
اعلم ان الله تعالى قرن الشكر بالذكر في كتابه مع انه قال ولذكر الله اكبر فقال تعالى فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون وقال تعالى ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم وقال تعالى وسنجزي الشاكرين وقال D اخبارا عن ابليس اللعين لاقعدن لهم صراطك المستقيم قيل هو طريق الشكر ولعلو رتبة الشكر طعن اللعين في الخلق فقال ولا تجد اكثرم شاكرين وقال تعالى وقليل من عبادي الشكور وقد قطع الله تعالى بالمزيد مع الشكر ولم يستثن فقال تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم واستثنى في خمسة اشياء في الاغناء والاجابة والرزق والمغفرة والتوبة فقال تعالى فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء وقال فيكشف ما تدعون اليه ان شاء وقال يرزق من يشاء بغير حساب وقال ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال ويتوب الله على من يشاء وهو خلق من اخلاق الربوبية اذ قال تعالى والله شكور حليم وقد جعل الله الشكر مفتاح كلام اهل الجنة فقال تعالى وقالوا الحمد لله الذي صدقناه وعده وقال وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين