ذلك في كتاب الرضا ان شاء الله تعالى وكتب ابن ابي نجيح يعزي بعض الخلفاء ان أحق من عرف حق الله تعالى فيما أخذ منه من عظم حق الله تعالى عنده فيما أبقاه له واعلم ان الماضي قبلك هو الباقي لك والباقي بعدك هو المأجور فيك واعلم ان اجر الصابرين به فيما يصابون به اعظم من النعمة عليهم فيما يعافون منه .
فإذن مهما دفع الكراهة بالتفكر في نعمة الله تعالى عليه بالثواب نال درجة الصابرين نعم من كمال الصبر كتمان المرض والفقر وسائر المصائب وقد قيل من كنوز البر كتمان المصائب والاوجاع والصدقة فقد ظهر لك بهذه التقسيمات ان وجوب الصبر عام في جميع الاحوال والافعال فان الذي كفى الشهوات كلها واعتزل وحده لا يستغنى عن الصبر على العزلة والانفراد ظاهرا وعن الصبر عن وساوس الشيطان باطنا فان اختلاج الخواطر لا يسكن واكثر جولان الخواطر إنما يكون في فائت لا تدارك له او في مستقبل لا بد وان يحصل منه ما هو مقدر فهو كيفما كان تضييع زمان وآلة العبد قلبه وبضاعته عمره فاذا غفل القلب في نفس واحد عن ذكر يستفيد به أنسا بالله تعالى او عن فكر يستفيد به معرفة بالله تعالى ليستفيد بالمعرفة محبة الله تعالى فهو مغبون هذا ان كان فكره ووسواسه في المباحات مقصورا عليه ولا يكون ذلك غالبا بل يتفكر في وجوء الحيل لقضاء الشهوات اذ لا يزال ينازع كل من تحرك على خلاف غرضه في جميع عمره او من يتوهم انه ينازعه ويخالف امره او غرضه بظهور امارة له منه بل يقدر المخالفة من اخلص الناس في حبه حتى في اهله وولده ويتوهم مخالفتهم له ثم يتفكر في كيفية زجرهم وكيفية قهرهم وجوابهم عما يتعللون به في مخالفته ولا يزال في شغل دائم فللشيطان جندان جند يطير وجند يسير والوسواس عبارة عن حركة جنده الطيار والشهوة عبارة عن حركة جنده السيار وهذا لان الشيطان خلق من النار وخلق الانسان من صلصال كالفخار والفخار قد اجتمع فيه مع النار الطين والطين طبيعته السكون والنار طبيعتها الحركة فلا يتصور نار مشتعلة لا تتحرك بل لا تزال تتحرك بطبعها وقد كلف الملعون المخلوق من النار ان يطمئن عن حركته ساجدا لما خلق الله من الطين فأبى واستكبر واستعصى وعبر عن سبب استعصائه بأن قال خلقتني من نار وخلقته من طين .
فاذن حيث لم يسجد الملعون لأبينا آدم صلوات الله عليه وسلامه فلا ينبغي ان يطمع في سجوده لأولاده ومهما كف عن القلب وسواسه وعدوانه وطيرانه وجولانه فقد اظهر انقياده وإذعانه وانقياده بالإذعان سجود منه فهو روح السجود وانما وضع الجبهة على الارض قالبه وعلامته الدالة عليه بالإصطلاح ولو جعل وضع الجبهة على الارض علامة استخفاف بالاصطلاح لتصور ذلك كما ان الانبطاح بين يد المعظم المحترم يرى استخفافا بالعادة فلا ينبغي ان يدهشك صدف الجوهر عن الجوهر وقالب الروح عن الروح وقشر اللب عن اللب فتكون ممن قيده عالم الشهادة بالكلية عن عالم الغيب وتحقق ان الشيطان من المنظرين فلا يتواضع لك بالكف عن الوسواس الى يوم الدين الا ان تصبح وهمومك هم واحد فتشغل قلبك بالله وحده فلا يجد الملعون مجالا فيك فعند ذلك تكون من عباد الله المخلصين الداخلين في الاستثناء عن سلطنة هذا اللعين .
ولا تظنن انه يخلو عنه قلب فارغ بل هو سيال يجرى من ابن آدم مجرى الدم وسيلانه مثل الهواء فى القدح فإنك إن أردت أن يخلو القدح عن الهواء من غير ان تشغله بالماء او بغيره فقد طمعت في غير مطمع بل بقدر ما يخلو من الماء يدخل فيه الهواء لا محالة فكذلك القلب المشغول بفكر مهم في الدين لا يخلو عن جولان الشيطان والا فمن غفل عن الله تعالى ولو في لحظة فليس له في تلك اللحظة قرين الا الشيطان ولذلك قال تعالى