ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وقال Aان الله تعالى يبغض الشاب الفارغ // وهذا لان الشاب اذا تعطل عن عمل يشغل باطنه بمباح يستعين به على دينه كان ظاهرة فارغا ولم يبق قلبه فارغا بل يعشش فيه الشيطان ويبيض ويفرخ ثم تزدوج افراخه ايضا وتبيض مرة اخرى وتفرخ وهكذا يتوالد نسل الشيطان توالدا أسرع من توالد سائر الحيوانات لان طبعه من النار واذا وجد الحلفاء اليابسةكثر توالده فلا يزال تتوالد النار من النار ولا تنقطع ألبته بل تسرى شيئا فشيئا على الاتصال فالشهوة في نفس الشاب للشيطان كالحلفاء اليابسة للنار وكما لا تبقى النار اذا لم يبق لها قوت وهو الحطب فلا يبقى للشيطان مجال اذا لم تكن شهوة فاذن اذا تأملت علمت ان أعدى عدوك شهوتك وهي صفة نفسك ولذلك قال الحسين بن منصور الحلاج حين كان يصلب وقد سئل عن التصوف ما هو فقال هي نفسك ان لم تشغلها شغلتك .
فاذن حقيقة الصبر وكماله الصبر عن كل حركة مذمومة وحركة الباطن أولى بالصبر عن ذلك وهذا صبر دائم لا يقطعه إلا الموت نسأل الله حسن التوفيق بمنه وكرمه .
بيان دواء الصبر وما يستعان به عليه .
أعلم ان الذي انزل الداء انزل الدواء ووعد الشفاء فالصبر وان كان شاقا او ممتنعا فتحصيله ممكن بمعجون العلم والعمل فالعلم والعمل هما الاخلاط التي منها تركب الادوية لامراض القلوب كلها ولكن يحتاج كل مرض الى علم آخر وعمل آخر وكما ان اقسام الصبر مختلفة فأقسام العلل المانعة منه مختلفة واذا اختلفت العلل اختلف العلاج اذ معنى العلاج مضادة العلة وقمعها واستيفاء ذلك مما يطول ولكنا نعرف الطريق في بعض الامثلة .
فنقول اذا افتقر الى الصبر عن شهوة الوقاع مثلا وقد غلبت عليه الشهوة بحيث ليس يملك معها فرجه او يملك فرجه ولكن ليس يملك عينه او يملك عينه ولكن ليس يملك قلبه ونفسه اذ تزال تحدثه بمقتضيات الشهوات ويصرفه ذلك عن المواظبة على الذكر والفكر والاعمال الصالحة فنقول قد قدمنا ان الصبر عبارة عن مصارعة باعث الدين مع باعث الهوى وكل متصارعين أردنا ان يغلب أحدهما الآخر فلا طريق لنا فيه الا تقوية من اردنا ان تكون له اليد العليا وتضعيف الآخر فلزمنا ههنا تقوية باعث الدين وتضعيف باعث الشهوة .
فأما باعث الشهوة فسبيل تضعيفه ثلاثة أمور .
أحدها ان تنظر الى مادة قوتها وهي الاغذية الطيبة المحركة للشهوة من حيث نوعها ومن حيث كثرتها فلا بد من قطعها بالصوم الدائم مع الاقتصاد عند الأفطار على طعام قليل في نفسه ضعيف في جنسه فيحترز عن اللحم والأطعمة المهيجة للشهوة .
الثاني قطع اسبابه المهيجة في الحال فإنه إنما يهيج بالنظر الى مظان الشهوة اذ النظر يحرك القلب والقلب يحرك الشهوة وهذا يحصل بالعزلة والاحتراز عن مظان وقوع البصر على الصور المشتهاة والفرار منها بالكلية قال رسول الله Aالنظرة سهم من سهام ابليس وهو سهم يسدده الملعون ولا ترس يمنع منه الا تغميض الاجفان او الهرب من صوب رميه فإنه إنما يرمى هذا السهم عن قوس الصور فاذا انقلبت عن صوب الصور لم يصبك سهمه .
الثالث تسلية النفس بالمباح من الجنس الذي تشتهيه وذلك بالنكاح فان كل ما يشتهيه الطبع ففي المباحات