أجرا عظيما فانظر كيف ضاعفها إذ جعل الاستغفار فى الغفلة عادة اللسان حتى دفع بتلك العادة شر العصيان بالغيبة واللعن والفضول هذا تضعيف فى الدنيا لأدنى الطاعات وتضعيف الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون فإياك وأن تلمح فى الطاعات مجرد الآفات فتفتر رغبتك عن العبادات فإن هذه مكيدة روجها الشيطان بلعنته على المغرورين وخيل إليهم أنهم أرباب البصائر وأهل التفطن للخفايا والسرائر فأى خير فى ذكرنا باللسان مع غفلة القلب فانقسم الخلق فى هذه المكيدة إلى ثلاثة أقسام ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات أما السابق فقال صدقت يا ملعون ولكن هى كلمة حق أردت بها باطلا فلا جرم أعذبك مرتين وأرغم أنفك من وجهين فأضيف إلى حركة اللسان حركة القلب فكان كالذى داوى جرح الشيطان بنثر الملح عليه وأما الظالم المغرور فاستشعر فى نفسه خيلاء الفطنة لهذه الدقيقة ثم عجز عن الإخلاص بالقلب فترك مع ذلك تعويد اللسان بالذكر فأسعف الشيطان وتدلى بحبل غروره فتمت بينهما المشاركة والموافقة كما قيل وافق شن طبقه وافقه فاعتنقه وأما المقتصد فلم يقدر على إرغامه بإشراك القلب فى العمل وتفطن لنقصان حركة اللسان بالإضافة إلى القلب ولكن اهتدى إلى كماله بالإضافة إلى السكوت والفضول فاستمر عليه وسأل الله تعالى أن يشرك القلب مع اللسان فى اعتياد الخير فكان السابق كالحائك الذى ذمت حياكته فتركها وأصبح كاتبا والظالم المتخلف كالذى ترك الحياكة أصلا وأصبح كناسا والمقتصد كالذى عجز عن الكتابة فقال لا أنكر مقدمة الحياكة ولكن الحائك مذموم بالإضافة إلى الكاتب لا بالإضافة إلى الكناس فإذا عجزت عن الكتابة فلا أترك الحياكة ولذلك قالت رابعة العدوية استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير فلا تظن أنها تذم حركة اللسان من حيث إنه ذكر الله بل تذم غفلة القلب فهو محتاج إلى الاستغفار من غفلة قلبه لا من حركة لسانه فإن سكت عن الاستغفار باللسان أيضا احتاج إلى استغفارين لا إلى استغفار واحد فهكذا ينبغى أن تفهم ذم ما يذم وحمد ما يحمد والا جهلت معنى ما قال القائل الصادق حسنات الأبرار سيئات المقربين فإن هذه أمور تثبت بالإضافة فلا ينبغى أن تؤخذ من غير إضافة بل ينبغى أن لا تستحقر ذرات الطاعات والمعاصى ولذلك قال جعفر الصادق إن الله تعالى خبأ ثلاثا فى ثلاث رضاه فى طاعته فلا تحقروا منها شيئا فلعل رضاه فيه وغضبه فى معاصيه فلا تحقروا منها شيئا فلعل غضبه فيه وخبأ ولايته فى عبادة فلا تحقروا منهم أحدا فلعله ولى الله تعالى وزاد وخبأ إجابته فى دعائه فلا تتركوا الدعاء فربما كانت الإجابة فيه الركن الرابع فى دواء التوبة وطريق العلاج لحل عقدة الإصرار .
اعلم أن الناس قسمان شاب لا صبوة له نشأ على الخير واجتناب الشر وهو الذى قال فيه رسول الله Aتعجب ربك من شاب ليست له صبوة // حديث يعجب ربك من شاب ليست له صبوة أخرجه احمد والطبرانى من حديث عقبة بن عامر وفيه ابن لهيعه // وهذا عزيز نادر والقسم الثانى هو الذى لا يخلو عن مقارفة الذنوب ثم هم ينقسمون إلى مصرين وإلى تائبين وغرضنا أن نبين العلاج فى حل عقدة الإصرار ونذكر الدواة فيه فاعلم ان شفاء التوبة لا يحصل إلا بالدواء ولا يقف على الدواء من لا يقف على الداء إذ لا معنى للدواء إلا مناقضة أسباب الداء فكل داء حصل من سبب فدواؤه حل ذلك السبب ورفعه وإبطاله ولا يبطل الشىء لا بضده ولا سبب للإصرار إلا الغفلة والشهوة ولا يضاد الغفلة إلا العلم ولا يضاد الشهوة إلا الصبر على قطع