وهو عبارة عن الاستغفار بالقلب وللتوبة والاستغفار درجات وأوائلها لا تخلو عن الفائدة وإن لم تنته إلى أواخرها ولذلك قال سهل لا بد للعبد فى كل حال من مولاه فأحسن أحواله أن يرجع إليه فى كل شىء فإن عصى قال يا رب استر على فإذا فرغ من المعصية قال يا رب تب على فإذا تاب قال يا رب ارزقنى العصمة وإذا عمل قال يا رب تقبل منى وسئل أيضا عن الاستغفار الذى يكفر الذنوب فقال أول الاستغفار الاستجابة ثم الإنابة ثم التوبة فالاستجابة أعمال الجوارح والإنابة أعمال القلوب والتوبة إقباله على مولاه بأن يترك الخلق ثم يستغفر الله من تقصيره الذى هو فيه ومن الجهل بالنعمة وترك الشكر فعند ذلك يغفر له ويكون عنده مأواه ثم التنقل إلى الانفراد ثم الثبات ثم البيان ثم الفكر ثم المعرفة ثم المناجاة ثم المصافاة ثم الموالاة ثم محادثة السر وهو الخلة ولا يستقر هذا فى قلب عبد حتى يكون العلم غذاءه والذكر قوامه والرضا زاده والتوكل صاحبه ثم ينظر الله إليه فيرفعه إلى العرش فيكون مقامه مقام حملة العرش وسئل أيضا عن قوله Aالتائب حبيب الله فقال إنما يكون حبيبا إذا كان فيه جميع ما ذكر فى قوله تعالى التائبون العابدون الآية وقال الحبيب هو الذى لا يدخل فيما يكرهه حبيبه .
والمقصود أن للتوبة ثمرتين إحداهما تكفير السيئات حتى يصير كمن لا ذنب له والثانية نيل الدرجات حتى يصير حبيبا وللتكفير أيضا درجات فبعضه محو لأصل الذنب بالكلية وبعضه تخفيف له ويتفاوت ذلك بتفاوت درجات التوبة فالاستغفار بالقلب والتدارك بالحسنات وإن خلا عن حل عقدة الإصرار من أوائل الدرجات فليس يخلو عن الفائدة أصلا فلا ينبغى أن تظن أن وجودها كعدمها بل عرف أهل المشاهدة وأرباب القلوب معرفة لا ريب فيها أن قول الله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره صدق وأنه لا تخلو ذرة من الخير عن أثر كما لا تخلو شعيرة تطرح فى الميزان عن أثر ولو خلت الشعيرة الأولى عن أثر لكانت الثانية مثلها ولكان لا يرجح الميزان بأحمال الذرات وذلك بالضرورة محال بل ميزان الحسنات يرجح بذرات الخير إلى أن يثقل فترفع كفه السيئات فإياك أن تستصغر ذرات الطاعات فلا تأتيها وذرات المعاصى فلا تنفيها كالمرأة الخرقاء تكسل عن الغزل تعللا بأنها لا تقدر فى كل ساعة إلا على خيط واحد وتقول أى غنى يحصل بخيط وما وقع ذلك فى الثياب ولا تدري المعتوهة ان ثياب الدنيا اجتمعت خيطا خيطا وأن أجسام العالم مع اتساع أقطاره اجتمعت ذرة فإذن التضرع والاستغفار بالقلب حسنة لا تضيع عند الله أصلا بل أقول الاستغفار باللسان أيضا حسنة إذ حركة اللسان بها عن غفلة خير من حركة اللسان فى تلك الساعة بغيبة مسلم أو فضول كلام بل هو خير من السكوت عنه فيظهر فضله بالإضافة إلى السكوت عنه وإنما يكون نقصانا بالإضافة إلى عمل القلب ولذلك قال بعضهم لشيخه أبى عثمان المغربى إن لسانى فى بعض الأحوال يجرى بالذكر والقرآن وقلبى غافل فقال اشكر الله إذ استعمل جارحة من جوارحك فى الخير وعودة الذكر ولم يستعمله فى الشر ولم يعوده الفضول وما ذكره حق فإن تعود الجوارح للخير حتى يصير لها ذلك كالطبع يدفع جملة من المعاصى فمن تعود لسانه الاستغفار إذا سمع من غيره كذبا سبق لسانه إلى ما تعود فقال استغفر الله ومن تعود الفضول سبق لسانه إلى قول ما أحمقك وما أقبح كذبك ومن تعود الاستعاذة إذا حدث بظهور مبادىء الشر من شرير قال بحكم سبق اللسان نعوذ بالله وإذا تعود الفضول قال لعنه الله فيعصى فى إحدى الكلمتين ويسلم فى الأخرى وسلامته أثر اعتياد لسانه الخير وهو من جملة معانى قوله تعالى إن الله لا يضيع أجر المحسنين ومعانى قوله تعالى وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه