الأسباب المحركة للشهوة والغفلة رأس الخطايا قال الله تعالى وأولئك هم الغافلون لا جرم أنهم فى الاخرة هم الخاسرون فلا دواء إذن للتوبة إلا معجون يعجن من حلاوة العلم ومرارة الصبر وكما يجمع السكنجبين بين حلاوة السكر وحموضة الخل ويقصد بكل منهما غرض آخر فى العلاج بمجموعهما فيقمع الأسباب المهيجة للصفراء فهكذا ينبغى أن تفهم علاج القلب مما به من مرض الإصرار فإن لهذا الدواء أصلان أحدهما العلم والآخر الصبر ولا بد من بيانهما .
فإن قلت أينفع كل علم لحل الإصرار أم لا بد من علم مخصوص فاعلم أن العلوم بجملتها أدوية لأمراض القلوب ولكن لكل مرض علم يخصه كما أن علم الطب نافع فى علاج الأمراض بالجملة ولكن يخص كل علة علم مخصوص فكذلك دواء الإصرار فلنذكر خصوص ذلك العلم على موازنة مرض الأبدان ليكون أقرب إلى الفهم فنقول يحتاج المريض إلى التصديق بأمور الأول أن يصدق على الجملة بأن للمرض والصحة أسبابا يتوصل إليها بالاختيار على ما رتبه مسبب الأسباب وهذا هو الإيمان بأصل الطب فإن من لا يؤمن به لا يشتغل بالعلاج ويحق عليه الهلاك وهذا وزانة مما نحن فيه الإيمان بأصل الشرع وهو أن للسعادة فى الآخرة سببا هو الطاعة وللشقاوة سببا هو المعصية وهذا هو الإيمان بأصل الشرائع وهذا لا بد من حصوله إما عن تحقيق أو تقليد وكلاهما من جملة الإيمان .
الثانى أنه لا بد أن يعتقد المريض فى طبيب معين أنه عالم بالطب حاذق فيه صادق فيما يعبر عنه لا يلبس ولا يكذب فإن إيمانه بأصل الطب لا ينفعه بمجرده دون هذا الإيمان ووزانه مما نحن فيه العلم بصدق الرسول A والإيمان بأن كل ما يقوله حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف .
الثالث أنه لا بد أن يصغى إلى الطبيب فيما يحذره عنه من تناول الفواكه والأسباب المضرة على الجملة حتى يغلب عليه الخوف فى ترك الاحتماء فتكون شدة الخوف باعثة له على الاحتماء ووزانه من الدين الإصغاء إلى الآيات والأخبار المشتملة على الترغيب فى التقوى والتحذير من ارتكاب الذنوب واتباع الهوى والتصديق بجميع ما يلقى إلى سمعه من ذلك من غير شك واسترابه حتى ينبعث به الخوف المقوى على الصبر الذى هو الركن الآخر فى العلاج .
الرابع أن يصغى إلى الطبيب فيما يخص مرضه وفيما يلزمه فى نفسه الاحتماء عنه ليعرفه أولا تفصيل ما يضره من أفعاله وأحواله ومأكوله ومشروبه فليس على كل مريض الاحتماء عن كل شىء ولا ينفعه كل دواء بل لكل علة خاصة علم خاص وعلاج خاص ووزانه من الدين أن كل عبد فليس يبتلى بكل شهوة وارتكاب ذنب بل لكل مؤمن ذنب مخصوص أو ذنوب مخصوصة وإنما حاجته فى الحال مرهقة إلى العلم بأنها ذنوب ثم إلى العلم بآفاتها وقدر ضررها ثم العلم بكيفية التوصل إلى الصبر عنها ثم إلى العلم بكيفية تكفير ما سبق منها .
فهذه علوم يختص بها أطباء الدين وهم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء فالعاصى إن علم عصيانه فعليه طلب العلاج من الطبيب وهو العالم وإن كان لا يدرى أن ما يرتكبه ذنب فعلى العالم أن يعرفه ذلك وذلك بأن يتكفل كل عالم بإقليم أو بلدة أو محلة أو مسجد أو مشهد فيعلم أهله دينهم ويميز ما يضرهم عما ينفعهم وما يشقيهم عما يسعدهم ولا ينبغى أن يصبر إلى أن يسئل عنه بل ينبغى أن يتصدى لدعوة الناس إلى نفسه فإنهم ورثة الأنبياء والأنبياء ما تركوا الناس على جهلهم بل كانوا ينادونهم فى مجامعهم ويدورون على أبواب دورهم فى الابتداء ويطلبون واحدا واحدا فيرشدونهم فإن مرضى القلوب لا يعرفون مرضهم كما أن الذى ظهر على وجهه برص