به أكثر من أن يواظب على نوع واحد من العبادات وإن كان ذلك أيضا مؤثرا فى المحو فهذا حكم ما بينه وبين الله تعالى ويدل على أن الشىء يكفر بضده أن حب الدنيا رأس كل خطيئة وأثر اتباع الدنيا في القلب السرو بها والحنين إليها فلا جرم كان كل أذى يصيب المسلم ينبو بسببه قلبه عن الدنيا يكون كفارة له إذ القلب يتجافى بالهموم والغموم عن دار الهموم قال Aمن الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهموم // حديث من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهموم وفى لفظ آخر إلا الهم فى طلب المعيشة أخرجه الطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والخطيب في التلخيص من حديث أبى هريرة بسند ضعيف تقدم فى النكاح // وفى لفظ آخر إلا الهم بطلب المعيشة وفى حديث عائشة رضى الله عنها إذا كثرت ذنوب العبد ولم تكن له أعمال تكفرها أدخل الله تعالى عليه الهموم فتكون كفارة لذنوبه // حديث إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له أعمال تكفرها أدخل الله عليه الغموم وتقدم أيضا فى النكاح وهو عند أحمد من حديث عائشة بلفظ ابتلاه الله بالحزن // ويقال إن الهم الذى يدخل على القلب والعبد لا يعرف هو ظلمه الذنوب والهم بها وشعور القلب بوقفه الحساب وهول المطلع .
فإن قلت هم الإنسان غالبا بما له وولده وجاهه وهو خطيئة فكيف يكون كفارة فاعلم أن الحب له خطيئة والحرمان عنه كفارة ولو تمتع به لتمت الخطيئة فقد روى أن جبريل عليه السلام دخل على يوسف عليه السلام فى السجن فقال له كيف تركت الشيخ الكئيب فقال قد حزن عليك حزن مائة ثكلى قال فما له عند الله قال اجر مائة شهيد فإذن الهموم أيضا مكفرات حقوق الله فهذا حكم ما بينه وبين الله تعالى .
وأما مظالم العباد ففيها أيضا معصية وجناية على حق الله تعالى فإن الله تعالى نهى عن ظلم العباد أيضا فما يتعلق منه بحق الله تعالى تداركه بالندم والتحسر وترك مثله في المستقبل والإتيان بالحسنات التى هى أضدادها فيقابل إيذاءه الناس بالإحسان إليهم ويكفر غصب أموالهم بالتصدق بملكه الحلال ويكفر تناول أعراضهم بالغيبة والقدح فيهم بالثناء على أهل الدين وإظهار ما يعرف من خصال الخير من أقرانه وأمثاله ويكفر قتل النفوس بإعتاق الرقاب لأن تلك إحياء إذ العبد مفقود لنفسه موجود لسيده والإعتاق إيجاد لا يقدر الإنسان على أكثر منه فيقابل الإعدام بالإيجاد وبهذا تعرف أن ما ذكرناه من سلوك طريق المضادة في التكفير والمحو مشهود له في الشرع حيث كفر القتل بإعتاق رقبة ثم إذا فعل ذلك كله لم يكفه ما لم يخرج عن مظالم العباد ومظالم العباد إما فى النفوس أو الأموال أو الأعراض أو القلوب أعنى به الإيذاء المحض .
أما النفوس فإن جرى عليه قتل خطأ فنوبته بتسليم الدية ووصولها الى المستحق إما منه أو من عاقلته وهو فى عهدة ذلك قبل الوصول وإن كان عمدا موجبا للقصاص فبالقصاص فإن لم يعرف فيجب عليه أن يتعرف عند ولى الدم ويحكمه فى روحه فإن شاء عفا عنه وإن شاء قتله ولا تسقط عهدته إلا بهذا ولا يجوز له الإخفاء وليس هذا كما لو زنى أو شرب أو سرق أو قطع الطريق أو باشر ما يجب عليه فيه حد الله تعالى فإنه لا يلزمه فى التوبة أن يفضح نفسه ويهتك ستره ويلتمس من الوالى استيفاء حق الله تعالى بل عليه أن بستر الله تعالى ويقيم حد الله على نفسه بأنواع المجاهدة والتعذيب فالعفو فى محض حقوق الله تعالى قريب من التائبين النادمين فإن أمر هذه الى الوالى حتى أقام عليه الحد وقع موقعه وتكون توبته صحيحة مقبوله عند الله تعالى بدليل ما روى أن ما عز بن مالك أتى رسول الله A فقال يا رسول الله إنى قد ظلمت نفسى وزنيت وإنى أريد أن تطهرنى فرده فلما كان من الغد اتاه فقال يا رسول الله إنى قد زنيت فرده الثانية فلما كان فى الثالثة أمر به فحفر له حفرة ثم أمر به