16 - { يوم نبطش البطشة الكبرى } الظرف منصوب بإضمار اذكر وقيل هو بدل من يوم تأتي السماء وقيل هو متعلق بمنتقمون وقيل بما دل عليه منتقمون وهو منتقم والبطشة الكبرى : هي يوم بدر قاله الأكثر والمعنى : أنهم لما عادوا إلى التكذيب والكفر بعد رفع العذاب عنهم انتقم الله منهم بوقعة بدر وقال الحسن وعكرمة : المراد بها عذاب النار واختار هذا الزجاج : والأول أولى قرأ الجمهور { نبطش } بفتح النون وكسر الطاء : أي نبطش بهم وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهي لغة وقرأ أبو رجاء وطلحة بضم النون وكسر الطاء .
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس { في ليلة مباركة } قال : أنزل القرآن في ليلة القدر ونزل به جبريل على رسول الله A نجوما لجواب الناس وأخرج محمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : { فيها يفرق كل أمر حكيم } قال : يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق وموت وحياة ومطر حتى يكتب الحاج : يحج فلان ويحج فلان وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر { فيها يفرق كل أمر حكيم } قال : أمر السنة إلى السنة إلا الشقاء والسعادة فإنه في كتاب الله لا يبدل ولا يغير وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب قال : إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ثم قرأ { إنا أنزلناه في ليلة مباركة } الآية يعني ليلة القدر قال : ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل من موت أو حياة أو رزق كل أمر الدنيا يفرق تلك الليلة إلى مثلها وأخرج ابن زنجويه والديلمي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله A [ تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى ] وأخرجه ابن أبي الدنيا وابن جرير عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس وهذا مرسل ولا تقوم به حجة ولا تعارض بمثله صرائح القرآن وما روي في هذا فهو إما مرسل أو غير صحيح وقد أورد ذلك صاحب الدر المنثور وأورد ما ورد في فضل ليلة النصف ن شعبان وذلك لا يستلزم أنها المراد بقوله في ليلة مباركة وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود أن قريشا لما استعصت على رسول الله A وأبطأوا عن الإسلام قال : اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل بنظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع فأنزل الله { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } الآية فأتي النبي A فقيل : يا رسول الله استسق الله لمضر فاستسقى لهم فسقوا فأنزل الله { إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون } فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم فأنزل الله { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } فانتقم الله منهم يوم بدر فقد مضى البطشة والدخان واللزام وقد روي عن ابن مسعود نحو هذا من غير وجه وروي نحوه عن جماعة من التابعين وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن أبي مليكة قال : دخلت على ابن عباس فقال : لم أنم هذه الليلة فقلت لم ؟ قال : طلع الكوكب فخشيت أن يطرق الدخان قال ابن كثير : وهذا إسناد صحيح وكذا صححه السيوطي ولكن ليس فيه أنه سبب نزول الآية وقد عرفناك أنه لا منافاة بين كون هذه الآية نازلة في الدخان الذي كان يتراءى لقريش من الجوع وبين كون الدخان من آيات الساعة وعلاماتها وأشراطها فقد وردت أحاديث صحاح وحسان وضعاف بذلك وليس فيها أن سبب نزول الآية فلا حاجة بنا إلى التطويل بذكرها والواجب التمسك بما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن دخان قريش عند الجهد والجوع هو سبب النزول وبهذا تعرف اندفاع ترجيح من رجح أن الدخان الذي هو من أشراط الساعة كابن كثير في تفسيره وغيره وهكذا يندفع قول من قال إنه الدخان الكائن يوم فتح مكة متمسكا بما أخرجه ابن سعد عن أبي هريرة قال : كان يوم فتح مكة دخان وهو قول الله { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } فإن هذا لا يعارض ما في الصحيحين على تقدير صحة إسناده مع احتمال أن يكون أبو هريرة Bه ظن من وقوع ذلك الدخان يوم الفتح أنه المراد بالآية ولهذا لم يصرح بأنه سبب نزولها وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : قال ابن عباس قال ابن مسعود : البطشة الكبرى يوم بدر وأنا أقول هي يوم القيامة قال ابن كثير : وهذا إسناد صحيح وقال ابن كثير قبل هذا : فسر ذلك ابن مسعود بيوم بدر وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره الدخان بما تقدم وروي أيضا عن ابن عباس من رواية العوفي عنه وعن أبي بن كعب وجماعة وهو محتمل والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة كبرى أيضا انتهى .
قلت : بل الظاهر أنه يوم بدر وإن كان يوم القيامة يوم بطشة أكبر من كل بطشة فإن السياق مع قريش فتفسيره بالبطشة الخاصة بهم أولى من تفسيره بالبطشة التي تكون يوم القيامة لكل عاص من الإنس والجن