83 - ـ فصل : عواقب المعاصي .
يبغي لكل ذي لب و فطنة أن يحذر عواقب المعاصي فإنه ليس بين الآدمي و بين الله تعالى قرابة و لا رحم و إنما هو قائم بالقسط حاكم بالعدل .
و إن كان حلمه يسع الذنوب إلا أنه إذا شاء عفا فعفا كل كثيف من الذنوب و إذا شاء أخذ و أخذ باليسير فالحذر الحذر .
و لقد رأيت أقواما من المترفين كانوا يتقلبون في الظلم و المعاصي باطنة و ظاهرة فتعبوا من حيث لم يحتسبوا .
فقلت أصولهم و نقص ما بنوا من قواعد أحكموها لذراريهم .
و ما كان ذلك إلا لأنهم أهملوا جانب الحق D و ظنوا أن ما يفعلونه من خير يقاوم ما يجري من شر فمالت سفينة ظنونهم فدخلها من ماء الكيد ما أغرقهم .
و رأيت أقواما من المنتسبين إلى العلم أهملوا نظر الحق D إليهم في الخلوات .
فمحا محاسن ذكرهم في الخلوات فكانوا موجودين كالمعدومين لا حلاوة لرؤيتهم و لا قلب يحن إلى لقائهم .
فالله الله في مراقبة الحق D فإن ميزان عدله تبين فيه الذرة و جزاؤه مراصد للمخطئ و لو بعد حين .
و ربما ظن أنه العفو و إنما هو إمهال و للذنوب عواقب سيئة .
فالله الله الخلوات الخلوات .
البواطن البواطن النيات النيات .
فإن عليكم من الله عيبا ناظرة .
و إياكم و الاغترار بحلمه و كرمه فكم قد استدرج .
و كونوا على مراقبة الخطايا مجتهدين في محوها .
و ما شيء ينفع كالتضرع مع الحمية عن الخطايا فلعله .
و هذا فصل إذا تأمله المعامل لله تعالى نفعه .
و لقد قال بعض المراقبين لله تعالى : قدرت على لذة و ليست بكبيرة .
فنازعني نفسي إليه اعتمادا على صغرها و عظم فضل الله تعالى و كرمه .
فقلت لنفسي : إن غلبت هذه فأنت أنت و إذا أتيت هذه فمن أنت ؟ .
و ذكرتها حالة أقوام كانوا يفسحون لأنفسهم في مسامحة كيف انطوت أذكارهم و تمكن الإعراض عنهم .
فارعوت و رجعت عما همت به و الله الموفق