165 - ـ فصل : اغتنم شبابك قبل هرمك .
رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة .
لأني أشافه في عمري عددا من المتعلمين و أشافه بتصنيفي خلقا لا تحصى ما خلقوا بعد .
و دليل هذا أن إنتفاع الناس بتصانيف المتقدمين أكثر من إنتفاعهم بما يستفيدونه من مشايخهم .
فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف إن وفق للتصنيف المفيد فإنه ليس كل من صنف صنف .
و ليس المقصود جمع شيء كيف كان و إنما هي أسرار يطلع الله D عليها من شاء من عباده و يوفقه لكشفها فيجمع مافرق أو يرتب ما شتت أو يشرح ما أهمل هذا هو التصنيف المفيد .
و ينبغي إغتنام التصنيف في وسط العمر لأن أوائل العمر زمن الطلب و آخره كلال الحواس .
و ربما خان الفهم و العقل من قدر عمره و إنما يكون التقدير على العادات الغالبة لأنه لا يعلم الغيب فيكون زمان الطلب و الحظ و التشاغل إلى الأربعين ثم يبتدىء بعد الأربعين بالتصانيف و التعليم .
هذا إذا كان قد بلغ ما يريد من الجمع و الحفظ و أعين على تحصيل المطالب .
فأما إذا قلت الآلات عنده من الكتب أو كان في أول عمره ضعيف الطلب فلم ينل ما يريده في هذا الأوان أخر التصانيف إلى تمام خمسين سنة .
ثم ابتدأ بعد الخمسين في التصنيف و التعليم إلى رأس الستين ثم يزيد فيما بعد الستين في التعليم و يسمع الحديث و العلم و يعلل التصانيف إلى أن يقع مهم إلى رأس السبعين فإذا جاوز السبعين جعل الغالب عليه ذكر الآخرة و التهيؤ للرحيل فيوفر نفسه على نفسه إلا من تعليم يحتسبه أو تصنيف يفتقر إليه فذلك أشرف العدد للآخرة .
و لتكن همته في تنظيف نفسه و تهذيب خلاله و المبالغة في إستدراك زلاته فإن إختطف في خلال ما ذكرنا فنية المؤمن خير من عمله .
و إن بلغ إلى هذه المنازل فقد بينا ما يصلح لكل منزل .
و قد قال سفيان الثوري : من بلغ سن رسول الله صلى الله عليه و سلم فاليتخذ لنفسه كفنا و قد بلغ جماعة من العلماء سبعاو سبعين سنة منهم أحمد بن حنبل فإنه بلغها فليعلم أنه على شفير القبر و أن كل يوم يأتي بعدها مستطرف .
فإن تمت له الثمانون فليجعل همته كلها مصروفة إلى تنظيف خلاله و تهيئه زاده و ليجعل الإستغفار حليفه و الذكر أليفه و ليدقق في محاسبة النفس و في بذل العلم أو مخالطة الخلق .
فإن قرب الاستعراض للجيش يوجب عليه الحذر من العارض .
و ليبالغ في إبقاء أثره قبل رحيله مثل بث علمه و إنفاق كتبه و شيء من ماله .
و بعد فمن تولاه الله D علمه و من أراده ألهمه .
فسأل الله D أن ينعم علينا بأن يتولانا و لا يتولى عنا إنه قريب مجيب