166 - ـ فصل : الانقياد للشرع لا إتباع العادات .
رأيت عادات الناس قد غلبت على عملهم بالشرع فهم يستوحشون من فعل الشيء لعدم جريان العادة لا لنهي الشرع ! .
فكم من رجل يوصف بالخير يبيع و يشتري فإذا حصلت له القراضة باعها بالصحيح من غير تقليد لإمام أو عمل برخصة عادة من القوم و إستثقالا للإستفتاء .
و نرى خلقا يحافظون على صلاة الرغائب و يتوانون عن الفرائض .
و كثيرا من المتصوفين لا يستوحشون من ظلم الناس ثم يتصدقون على الفقراء .
و ربما توانو عن إخراج الزكاة و تكاسلوا بإستعمال التأويلات فيها .
ثم إذا حضر أحدهم مجلس وعظ بكى كأنه يصانع بتلك الحال .
و منهم من يخرج بعض الزكاة مصانعة عما لم يخرجه .
و منهم من يعلم أن أصل ماله حرام و يصعب عليه فراقه للعادة .
و فيهم من يخلف بالطلاق و يحنث و يرى الفراق صعبا .
فربما تأول و ربما تكاسل عن التأويل إتكالا على عفو الله تعالى و وعدا من النفس بالتوبة .
و منهم من يرى أن إستعمال الشرع ربما كان سببا في تضييق معاشه .
و قد ألف التفسح فلا يسهل عليه فراق ما قد ألف و العادات في الجملة هي المهلكة .
و لقد حضر عندي رجل شيخ ابن ثمانين سنة فاشتريت منه دكانا و عقدت معه العقد .
فلما إفترقنا غدر بعد أيام فطلبت منه الحضور عند الحاكم فأبى .
فأحضرته فحلف باليمين الغموس إنه ما بعته فقلت ما تدور عليه السنة و أخذ يبرطل لمن يحول بيني و بينه من الظلمة .
فرأيت من العوام من قد غلبت عليه العادات فلا يلتفت معها إلى قول فقيه يقول هذا ما قبض الثمن فكيف يصح البيع ؟ و آخر يقول : كيف يجوز لك أن تأخذ دكانه بغير رضاه ؟ و آخر يقول : يجب عليك أن تقيله البيع .
فلما لم أقله أخذ هو و أقاربه يأخذون عرضي و رأى أنه يحامي عن ملكه ثم سعى بي إلى السلطان سعاية يحرض فيها من الكذب ما أدهشني و يبرطل مالا لخلق من الظلمة فبالغوا و سعوا إلا أن الله تعالى نجاني من شرهم .
ثم إني أقمت عليه البينة عند الحاكم فقال بعض أرباب الدنيا للحاكم : لا تحكم له فوقف عن الحكم بعد ثبوت البنية عنده فرأيت من هذا الحاكم و من حاكم آخر أعلى منه من ترك إنفاذ الحق حفظا لرياستهم ما هون عندي ما فعله ذلك الشيخ حفظا لماله لجله و علم هؤلاء فينحل لي من الأمر أن العادات غلبت على الناس و إن الشرع أعرض عنه .
و إن وقعت موافقة للشرع فكما أتفق أو لأجل العادة .
فإن الإنسان لو ضرب بالسياط ما أفطر في رمضان عادة قد إستمرت و يأخذ أعراض الناس و أموالهم عادة غالبة ! ! .
فكم قد رأيت هذا الشيخ يصلي و يحافظ على الصلاة ثم لما خاف فوت غرضه ترك الشرع جانبا .
و كم قد رأيت أولئك الحكام يتعبدون و يطلبون العلم غير أنهم لما خافوا على رياستهم أن تزول تركوا جانب الدين .
ثم إن الله تعالى نصرني عليه و تقدم إلي الحاكم بإنفاذ ما ثبت عنده و دارت السنة فمات الشيخ على قل فنسأله D التوفيق للإنقياد لشرعه و مخالفة أهوائنا