لا يكلمون ولا ينظر فى أمورهم ولا يأكلون فيه ولا يشربون ولا يجدون فيه روح نسيم حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أجوافهم جوعا انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن حرها واشتد لفحها فتأمل فى طول هذا اليوم وشدة الانتظار فيه حتى يخف عليك انتظار الصبر عن المعاصى فى عمرك المختصر .
ثم تفكر بعد هذه الاهوال فيما يتوجه عليك من السؤال شفاها من غير ترجمان فتسأل عن القليل والكثير والنقير والقطمير والجليل والحقير ويؤتى بالميزان ويطار الكتب إلى الشمائل والأيمان وتكثر الخصماء ويساقون إلى الصراط ويغضب الرب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله وقد أخبرت بأن النار مورد للجميع فأنت من الورود على يقين ومن النجاة فى شك فاستشغر فى قلبك هو ذلك المورد فعساك تستعد للنجاة منه .
فهذه أهوال يوم القيامة وأصناف عذاب جهنم على الجملة وتفصيل غمومها وأحزانها ومحنها وحسراتها لا نهاية له وقد تصدى لذكرها القرطبى فى التذكرة وأعظم الأمور عليهم مع ما يلاقونه من شدة العذاب حسرة فوت نعيم الجنة وفوت لقاء الله تعالى وفوت رضاه مع علمهم بأنهم باعوا كل ذلك بثمن بخس دراهم معدودة إذ لم يبيعوا ذلك إلا بشهوات حقيرة فى الذنيا أياما قصيرة وكانت غير صافية بل كانت مكدرة منغصة .
فيا لحسرة هؤلاء وقد فاتهم ما فاتهم وبلوا بما بلوا به ولم يبق معهم شىء من نعيم الدنيا ولذاتها قال أحمد بن حرب أحدنا يؤثر الظل على الشمس ثم لا يؤثر الجنة على النار وقال عيسى عليه السلام كم من جسد صحيح ووجه صبيح ولسان فصيح غدا بين أطباق النار يصيح فانظر فى هذه الاحوال