@ 204 @ ومع هذا فعبادتهم ، إنما صورتها فقط ، لهذه الأوثان الناقصة . وبالحقيقة ، ما عبدوا غير الشيطان ، الذي هو عدوهم ، الذي يريد إهلاكهم ، ويسعى في ذلك بكل ما يقدر عليه ، الذي هو في غاية البعد من الله ، لعنه الله وأبعده عن رحمته . فكما أبعده الله من رحمته ، يسعى في إبعاد العباد عن رحمة الله . ! 2 < إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير > 2 ! . ولهذا أخبر الله عن سعيه ، في إغواء العباد ، وتزيين الشر لهم والفساد ، وأنه قال لربه مقسما : ! 2 < لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا > 2 ! أي : مقدورا . علم اللعين ، أنه لا يقدر على إغواء جميع عباد الله ، وأن عباد الله المخلصين ، ليس له عليهم سلطان . وإنما سلطانه ، على من تولاه ، وآثر طاعته على طاعة مولاه . وأقسم في موضع آخر ليغوينهم فقال : ! 2 < لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين > 2 ! . فهذا الذي ظنه الخبيث وجزم به ، أخبر الله تعالى بوقوعه بقوله : ! 2 < ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين > 2 ! . وهذا النصيب المفروض ، الذي أقسم ليتخذنه منهم ، ذكر ما يريده بهم ، وما يقصده لهم بقوله : ! 2 < ولأضلنهم > 2 ! أي : عن الصراط المستقيم ، ضلالا في العلم ، وضلالا في العمل . ! 2 < ولأمنينهم > 2 ! أي : مع الإضلال ، لأمنينهم أن ينالوا ، ما ناله المهتدون . وهذا هو الغرور بعينه . فلم يقتصر على مجرد إضلالهم حتى زين لهم ، ما هم فيه من الضلال . وهذا زيادة شر إلى شرهم ، حيث عملوا أعمال أهل النار ، الموجبة للعقوبة ، وحسبوا أنها موجبة للجنة . واعتبر ذلك باليهود والنصارى ونحوهم ، فإنهم كما حكى الله عنهم . ! 2 < وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم > 2 ! ، ^ ( وكذلك زينا لكل أمة عملهم ) ^ ، ! 2 < قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا > 2 ! الآيات . وقال تعالى عن المنافقين إنهم يقولون يوم القيامة للمؤمنين : ^ ( ألم نكم معكم ؟ قالوا : بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ) ^ . وقوله : ! 2 < ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام > 2 ! أي : بتقطيع آذانها ، وذلك كالبحيرة ، والسائبة والوصيلة ، والحام ، فنبه ببعض ذلك على جميعه . وهذا نوع من الإضلال ، يقتضي تحريم ما أحل الله ، أو تحليل ما حرم الله . ويلتحق بذلك ، من الاعتقادات الفاسدة ، والأحكام الجائرة ، ما هو من أكبر الإضلال . ! 2 < ولآمرنهم فليغيرن خلق الله > 2 ! وهذا يتناول الخلقة الظاهرة ، بالوشم ، والوشر ، والنمص ، والتفليج للحسن ، ونحو ذلك ، مما أغواهم به الشيطان فغيروا خلقة الرحمن . وذلك يتضمن التسخط من خلقته ، والقدح في حكمته ، واعتقاد أن ما يصنعونه بأيديهم ، أحسن من خلقة الرحمن ، وعدم الرضا بتقديره وتدبيره . ويتناول أيضا تغيير الخلقة الباطنة . فإن الله تعالى خلق عباده حنفاء مفطورين على قبول الحق ، وإيثاره . فجاءتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن هذا الخلق الجميل ، وزينت لهم الشر والشرك والكفر ، والفسوق ، والعصيان . فإن كل مولود يولد على الفطرة ، ولكن أبواه ، يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، ونحو ذلك ، مما يغيرون به ، ما فطر الله عليه العباد ، من توحيده ، وحبه ومعرفته . فافترستهم الشياطين في هذا الموضع ، افتراس السبع ، والذئاب للغنم المنفردة . ولولا لطف الله وكرمه بعباده المخلصين ، لجرى عليهم ، ما جرى على هؤلاء المفتونين ، فخسروا الدنيا والآخرة ، ورجعوا بالخيبة والصفقة الخاسرة . وهذا الذي جرى عليهم ، من توليهم عن ربهم وفاطرهم ، وتوليهم لعدوهم المريد لهم الشر ، من كل وجه . ولهذا قال : ! 2 < ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا > 2 ! . وأي خسار أبين وأعظم ، ممن خسر دينه ودنياه ، وأوبقته معاصيه وخطاياه ؟ فحصل له الشقاء الأبدي ، وفاته النعيم السرمدي . كما أن من تولى مولاه ، وآثر رضاه ، ربح كل الربح ، وأفلح كل الفلاح ، وفاز بسعادة الدارين ، وأصبح قرير العين . اللهم ، فلا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت . اللهم تولنا فيمن توليت ، وعافنا فيمن عافيت . ثم قال : ! 2 < يعدهم ويمنيهم > 2 ! أي : يعد الشيطان من يسعى في إضلالهم . والوعد يشمل حتى الوعيد كما قال تعالى : ! 2 < الشيطان يعدكم الفقر > 2 ! . فإنه يعدهم إذا أنفقوا في سبيل الله افتقروا . ويخوفهم إذا جاهدوا ، بالقتل وغيره كما قال تعالى : ! 2 < إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه > 2 ! الآية . ويخوفهم عند إيثار مرضاة الله ، بكل ما يمكن ، وما لا يمكن ، مما يدخله في عقولهم ، حتى يكسلوا عن فعل الخير . وكذلك يمنيهم الأماني الباطلة ، التي هي عند التحقيق كالسراب الذي لا حقيقة له . ولهذا قال : ! 2 < وما يعدهم الشيطان إلا غرورا أولئك مأواهم جهنم > 2 ! أي : من انقاد للشيطان ، وأعرض عن ربه ، وصار من أتباع إبليس وحزبه ، مستقرهم النار . ! 2 < ولا يجدون عنها محيصا > 2 ! أي : مخلصا ولا ملجأ ، بل هم خالدون فيها أبد الآباد . ^ ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله