@ 205 @ قيلا ) ^ ولما بين مآل الأشقياء ، أولياء الشيطان ، ذكر مآل السعداء أوليائه فقال : ^ ( والذين آمنوا ) ^ الآية . أي : ^ ( آمنوا ) ^ بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، والقدر ، خيره وشره ، على الوجه الذي أمروا به ، علما ، وتصديقا ، وإقرارا . ^ ( وعملوا الصالحات ) ^ الناشئة عن الإيمان . وهذا يشمل سائر المأمورات ، من واجب ، ومستحب ، الذي على القلب ، والذي على اللسان ، والذي على بقية الجوارح . كل له ، من الثواب المرتب على ذلك ، بحسب حاله ومقامه ، وتكميله للإيمان والعمل الصالح . ويقويه ، ما رتب على ذلك ، بحسب ما أخل به من الإيمان والعمل . وذلك بحسب ما علم من حكمة الله ورحمته . وكذلك وعده الصادق ، الذي يعرف من تتبع كتاب الله وسنة رسوله . ولهذا ذكر الثواب المرتب على ذلك بقوله : ^ ( سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) ^ فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، من أنواع المآكل ، والمشارب اللذيذة ، والمناظر العجيبة ، والأزواج الحسنة ، والقصور ، والغرف المزخرفة ، والأشجار المتدلية ، والفواكه المستغربة والأصوات الشجية ، والنعم السابغة ، وتزاور الإخوان ، وتذكرهم ما كان منهم ، في رياض الجنات . وأعلى من ذلك وأجل رضوان الله عليهم ، وتمتع الأرواح بقربه ، والعيون برؤيته ، والأسماع بخطابه ، الذي ينسيهم كل نعيم وسرور . ولولا الثبات من الله لهم ، لطاروا ، وماتوا من الفرح والحبور . فلله ما أحلى ذلك النعيم ، وما أعلى ما أتاهم الرب الكريم ، وما حصل لهم ، من كل خير وبهجة ، لا يصفه الواصفون . وتمام ذلك وكماله ، الخلود الدائم ، في تلك المنازل العاليات ، ولهذا قال : ^ ( خالدين فيها أبدا . وعد الله حقا ، ومن أصدق من الله قيلا ) ^ . فصدق الله العظيم ، الذي بلغ قوله وحديثه في الصدق ، أعلى ما يكون . ولهذا لما كان كلامه صدقا ، وخبره صدقا كان ما يدل عليه ، مطابقة ، وتضمنا ، وملازمة ، كل ذلك مراد من كلامه . وكذلك كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، لكونه لا يخبر إلا بأمره ولا ينطق إلا عن وحيه . ^ ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا * ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأول ئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) ^ أي : ^ ( ليس ) ^ الأمر والنجاة والتزكية ^ ( بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ) ^ . والأماني : أحاديث النفس المجردة عن العمل ، المقترن بها ، دعوى مجردة ، لو عورضت بمثلها ، لكانت من جنسها . وهذا عام في كل أمر . فكيف بأمر الإيمان ، والسعادة الأبدية ؟ فإن أماني أهل الكتاب ، قد أخبر الله بها ، أنهم قالوا : ^ ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم ) ^ وغيرهم ممن ليس ينتسب لكتاب ، ولا رسول ، من باب أولى وأحرى . وكذلك أدخل الله في ذلك من ينتسب إلى الإسلام ، لكمال العدل والإنصاف . فإن مجرد الانتساب إلى أي دين كان ، لا يفيد شيئا ، إن لم يأت الإنسان ببرهان ، على صحة دعواه . فالأعمال تصدق الدعوى ، أو تكذبها ، ولهذا قال تعالى : ^ ( من يعمل سوءا يجز به ) ^ وهذا شامل لجميع العاملين . لأن السوء شامل ، لأي ذنب كان ، من صغائر الذنوب ، وكبائرها . وشامل أيضا ، لكل جزاء ، قليل ، أو كثير ، دنيوي ، أو أخروي . والناس في هذا المقام درجات ، لا يعلمها إلا الله ، فمستقل ومستكثر . فمن كان عمله كله سوءا ، وذلك لا يكون إلا كافرا . فإذا مات من دون توبة ، جوزي بالخلود في العذاب الأليم . ومن كان عمله صالحا ، وهو مستقيم في غالب أحواله ، وإنما يصدر منه أحيانا بعض الذنوب الصغار ، فما يصيبه من الهم ، والغم ، والأذى ، وبعض الآلام ، في بدنه ، أو قلبه ، أو حبيبه ، أو ماله ، ونحو ذلك فإنها مكفرات للذنوب ، لطفا من الله بعباده . وبين هذين الحالين مراتب كثيرة . وهذا الجزاء ، على عمل السوء العام ، مخصوص في غير التائبين . فإن التائب من الذنب ، كمن لا ذنب له ، كما دلت على ذلك النصوص . وقوله : ^ ( ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) ^ لإزالة بعض ما لعله يتوهم ، أن من استحق المجازاة على عمله ، قد يكون له ولي ، أو ناصر ، أو شافع ، يدفع عنه ما استحقه . فأخبر تعالى ، بانتفاء ذلك ، فليس له ولي ، يحصل له المطلوب ، ولا نصير يدفع عنه المرهوب ، إلا ربه ومليكه . ^ ( ومن يعمل من الصالحات ) ^ دخل في ذلك ، سائر الأعمال القلبية والبدنية . ودخل أيضا ، كل عامل ، من إنس ، أو جن ، صغير ، أو كبير ، ذكر ، أو أنثى . ولهذا قال : ^ ( من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ) ^ وهذا شرط لجميع الأعمال لا تكون صالحة ، ولا تقبل ، ولا يترتب عليها الثواب ، ولا يندفع بها العقاب ، إلا بالإيمان . فالأعمال بدون الإيمان ، كأغصان شجرة ، قطع أصلها ، وكبناء ، بني على موج الماء . فالإيمان ، هو الأصل والأساس ، والقاعدة ، التي يبنى عليها كل شيء . وهذا القيد ، ينبغي التفطن له ، في كل عمل مطلق ، فإنه مقيد به . ^ ( فأولئك ) ^ أي : الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح . ^ ( يدخلون