@ 203 @ مخلص ، كما يدل عليه ، عموم التعليل . وقوله : ! 2 < ونصله جهنم > 2 ! أي : نعذبه فيها عذابا عظيما . ! 2 < وساءت مصيرا > 2 ! أي : مرجعا له ومآلا . وهذا الوعيد ، المترتب على الشقاق ، ومخالفة المؤمنين ، مراتب ، لا يحصيها إلا الله ، بحسب حالة الذنب ، صغرا وكبرا . فمنه ما يخلد في النار ، ويوجب جميع الخذلان . ومنه ما هو دون ذلك ، فلعل الآية الثانية ، كالتفصيل لهذا المطلق . وهو : أن الشرك ، لا يغفره الله تعالى ، لتضمنه القدح في رب العالمين ، ووحدانيته ، وتسوية المخلوق ، الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، بمن هو مالك النفع والضر ، الذي ما من نعمة إلا منه ، ولا يدفع النقم إلا هو ، الذي له الكمال المطلق من جميع الوجوه ، والغنى التام بجميع وجوه الاعتبارات . فمن أعظم الظلم ، وأبعد الضلال ، عدم إخلاص العبادة لمن هذا شأنه وعظمته ، وصرف شيء منها للمخلوق ، الذي ليس له من صفات الكمال شيء ، ولا له من صفات الغنى شيء ، بل ليس له إلا العدم . عدم الوجود ، وعدم الكمال ، وعدم الغنى من جميع الوجوه . وأما ما دون الشرك من الذنوب والمعاصي ، فهو تحت المشيئة . إن شاء الله غفره برحمته وحكمته . وإن شاء عذب عليه ، وعاقب بعدله وحكمته . وقد استدل بهذه الآية الكريمة ، على أن إجماع هذه الأمة ، حجة ، وأنها معصومة من الخطأ . ووجه ذلك : أن الله توعد من خالف سبيل المؤمنين ، بالخذلان والنار . وسبيل المؤمنين مفرد مضاف ، يشمل سائر ما المؤمنون عليه ، من العقائد والأعمال . فإذا اتفقوا على إيجاب شيء ، أو استحبابه ، أو تحريمه ، أو كراهته ، أو إباحته فهذا سبيلهم . فمن خالفهم في شيء من ذلك ، بعد انعقاد إجماعهم عليه ، فقد اتبع غير سبيلهم . ويدل على ذلك قوله تعالى : ! 2 < كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر > 2 ! . ووجه الدلالة منها ، أن الله تعالى ، أخبر أن المؤمنين من هذه الأمة ، لا يأمرون إلا بالمعروف . فإذا اتفقوا على إيجاب شيء ، أو استحبابه ، فهو مما أمروا به . فيتعين بنص الآية أن يكون معروفا ، ولا شيء بعد المعروف ، غير المنكر . وكذلك إذا اتفقوا على النهي عن شيء ، فهو مما نهوا عنه ، فلا يكون إلا منكرا . ومثل ذلك ، قوله : ! 2 < وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس > 2 ! . فأخبر تعالى ، أن هذه الأمة ، جعلها الله وسطا أي : عدلا خيارا ، ليكونوا شهداء على الناس ، أي : في كل شيء . فإذا شهدوا على حكم ، بأن الله أمر به ، أو نهى عنه ، أو أباحه ، فإن شهادتهم معصومة ، لكونهم عالمين بما شهدوا به عادلين في شهادتهم . فلو كان الأمر بخلاف ذلك ، لم يكونوا عادلين في شهادتهم ، ولا عالمين بها . ومثل ذلك قوله تعالى : ^ ( فإن تنازعتم في شيء ، فردوه إلى الله والرسول ) ^ . يفهم منها ، أن ما لم يتنازعوا فيه ، بل اتفقوا عليه ، أنهم غير مأمورين برده إلى الكتاب والسنة . وذلك لا يكون إلا موافقا للكتاب والسنة ، فلا يكون مخالفا . ^ ( إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا * لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا * ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا * أول ئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ) ^ فهذه الأدلة ونحوها ، تفيد القطع ، أن إجماع هذه الأمة حجة قاطعة ، ولهذا بين الله قبح ضلال المشركين بقوله : ! 2 < إن يدعون من دونه > 2 ! إلى ! 2 < محيصا > 2 ! . أي : ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثا ، أي : أوثانا وأصناما ، مسميات بأسماء الإناث ، ك ( العزى ) و ( مناة ) ونحوهما . ومن المعلوم ، أن الاسم دال على المسمى . فإذا كانت أسماؤها ، أسماء مؤنثة ناقصة ، دل ذلك ، على نقص المسميات بتلك الأسماء ، وفقدها لصفات الكمال . كما أخبر الله تعالى ، في غير موضع من كتابه ، أنها لا تخلق ، ولا ترزق ، ولا تدفع عن عابديها ، بل ولا عن نفسها ؛ نفعا ولا ضرا ، ولا تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء ، وليس لها أسماع ، ولا أبصار ، ولا أفئدة . فكيف يعبد ، من هذا وصفه ، ويترك الإخلاص لمن له الأسماء الحسنى ، والصفات العليا والحمد والكمال ، والمجد ، والجلال ، والعز ، والجمال ، والرحمة ، والبر ، والإحسان ، والانفراد بالخلق والتدبير ، والحكمة العظيمة في الأمر والتقدير ؟ هل هذا إلا من أقبح القبيح ، الدال على نقص صاحبه ، وبلوغه من الخسة والدناءة ، أدنى ما يتصوره متصور ، أو يصفه واصف ؟