@ 380 @ { بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ } قيل : تتعلق ب ( ما أرسلنا ) داخلاً تحت حكم الاستثناء مع ( رجالاً ) أي وما أرسلنا إلاّ رجالاً بالبينات ، كقولك : ما ضربت إلاّ زيداً بالسوط . لأن أصله ضربت زيداً بالسوط . وقيل : تتعلق بقوله ( رجالاً ) صفة له ، أي رجالاً متلبسين بالبينات . وقيل : تتعلق ب ( أرسلنا ) مضمراً دل عليه ما قبله . كأنه قيل : بم أرسلوا ؟ قيل : بالبينات . وقيل : تتعلق ب ( نوحي ) أي نوحي إليهم بالبينات . قاله صاحب الكشاف . والعلم عند الله تعالى . قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . المراد بالذكر في هذه الآية : القرآن . كقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } . .
وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية حكمتين من حكم إنزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم : .
إحداهما أن يبين للناس ما نزل إليهم في هذا الكتاب من الأوامر والنواهي ، والوعد والوعيد ، ونحو ذلك . وقد بين هذه الحكمة في غير هذا الموضع أيضاً . كقوله : { وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُواْ فِيهِ } ، وقوله { إِنَّآ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ } . .
الحكمة الثانية هي التفكر في آياته والاتعاظ بها . كما قال هنا : { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } . وقد بين هذه الحكمة في غير هذا الموضع أيضاً . كقوله : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ ءَايَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو الاٌّ لْبَابِ } ، وقوله : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً } ، وقوله : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } ، إلى غير ذلك من الآيات . قوله تعالى : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الاٌّ رْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } . أنكر الله جل وعلا على الذين يعملون السيئات من الكفر والمعاصي ، ومع ذلك يأمنون عذاب الله ولا يخافون أخذه الأليم ، وبطشه الشديد ، وهو قادر على أن يخسف بهم الأرض ، ويهلكهم بأنواع العذاب . والخسف : بلع الأرض المخسوف به وقعودها به إلى أسفل . كما فعل الله بقارون ، قال الله تعالى فيه : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الاٌّ رْضَ } . وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة . كقوله : { أَءَمِنتُمْ مَّن فِى السَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الاٌّ رْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِى السَّمَآءِ } ،