@ 184 @ .
وفي الحيوانات : { الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } . .
وفي الجمادات يشير إليه قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِى الاٌّ رْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } . .
فرب الفلق تعادل رب العالمين ، فقابلها في الاستعاذة بعموم المستعاذ منه ، من شر ما خلق . .
ثم جاء ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به ، وهو من شر غاسق إذا وقب ، والنفاثات في العقد ، وحاسد إذا حسد . .
فالمستعاذ به صفة واحدة ، والمستعاذ منه عموم ما خلق جملة وتفصيلاً ، بينما في السورة الثانية جاء بالمستعاذ به ثلاث صفات هي صفات العظمة للَّه تعالى : الرب والملك والإله . .
فقابل المستعاذ منه وهو شيء واحد فقط ، وهو الوسواس الخناس ، وهذا يدل على شدة خطورة المستعاذ منه . .
وهو كذلك ، لأننا لو نظرنا في واقع الأمر لوجدنا مبعث كل فتنة ومنطلق كل شر عاجلاً أو آجلاً ، لوجدناه بسبب الوسواس الخناس . وهو مرتبط بتاريخ وجود الإنسان . .
وأول جناية وقعت على الإنسان الأول ، إنما هي من هذا الوسواس الخناس ، وذلك أن الله تعالى لما كرَّم آدم ، فخلقه بيده وأسجد الملائكة له وأسكنه الجنة هو وزوجه لا يجوع فيها ولا يعرى ، ولا يظمأ فيها ولا يضحى ، يأكلان منها رغداً حيث ما شاءا ، إلا من الشجرة الممنوعة ، فوسوس إليهما الشيطان حتى أكلا منها ودلاهما بغرور ، حتى أهبطوا منها جميعاً بعضهم لبعض عدو . .
وبعد سكناهما الأرض أتى ابنيهما قابيل وهابيل فلاحقهما أيضاً بالوسوسة ، حتى طوَّعت نفس أحدهما قتل أخيه فأصبح من النادمين . .
وهكذا بسائر الإنسان في حياته بالوسوسة حتى يربكه في الدنيا ، ويهلكه في