@ 183 @ .
وفي الاستعاذة من ثلاث : الغاسق ، والنفاثات ، والحاسد ، بصفة واحدة وهي الرب ، وإن تكثر الذي يستعاذ منه . .
وهذه الأخرى لفتة كريمة ، طالما كنت تطلعت إليها في وجهتي نظر ، إحداهما : بين السورتين ، والأخرى بين سورة الناس ونسق المصحف الشريف ، سيأتي إيرادهما إن شاء اللَّه . .
إلا أنه على وجهة نظر أبي حيان ، وهي أنه تعالى في سورة الفلق جاء في الاستعاذة بصفة واحدة وهي رب الفلق . .
وفي سورة الناس جاء في الاستعاذة بثلاث صفات ، مع أن المستعاذ منه في الأولى ثلاثة أمور ، والمستعاذ منه في الثانية أمر واحد ، فلخطر الأمر الواحد جاءت الصفات الثلاث . .
ويقال أيضاً من جهة أخرى : إن المستعاذ منه في السورة الأولى أمور تأتي من خارج الإنسان ، وتأتيه اعتداء عليه من غيره ، وقد تكون شروراً ظاهرة ، ومثل ذلك قد يمكن التحرز منه أو اتقاؤه قبل وقوعه ، وتجنبه إذا علم به . بينما الشر الواحد في الثانية يأتيه من داخليته وقد تكون هواجس النفس وما لا يقدر على دفعه ، إذ الشيطان يرانا ولا نراه ، كما في قوله : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } . .
وقد يثير عليه خلجات نفسه ونوازع فكره ، فلا يجد له خلاصاً إلا بالاستعاذة واللجوء إلى رب الناس ملك الناس إلاه الناس . .
أما الوجهتان اللتان نوهنا عنهما ، فالأولى بين السورتين وهي مما أورده أبو حيان : إذ في سورة الفلق قال : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ } ، ورب الفلق تعادل قوله : { رَبِّ الْعَالَمِينَ } . .
لأنه ما من موجود في هذا الكون إلا وهو مفلوق عن غيره . .
ففي الزرع : { فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى } . .
وفي الزمن { فَالِقُ الإِصْبَاحِ } .