@ 182 @ .
وهذا كان القياس وذلك أن المعبر عن المثنى بالمثنى ، لكن كرهوا اجتماع تثنيتين فعدلوا إلى الجمع بأن التثنية جمع في المعنى والإفراد ، لا يجوز عند أصحابنا إلا في الشعر . .
كقوله : .
* حمامة بطن الواديين ترنمي * .
يريد بطني ، وغلط ابن مالك في التسهيل إذ قال : ونختار الإفراد على لفظ التثنية ، فتراه غلط ابن مالك في اختياره جواز إضافة الجمع إلى المفرد ، كما أنه قال : ولا يجوز ذلك إلا في الشعر ، وأنه مع المثنى لكراهية اجتماع التثنيتين ، فظهر بطلان قول أبي السعود . .
أما الراجح في الوجهين في معنى الناس المتقدم ذكرهما . فهو الوجه الأول ، وهو أنهم الإنس ، وأن قوله تعالى : { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ } ، بيان لمن يقوم بالوسوسة ، أي بيان للوسواس الخناس وأنه من كل من وسواس الجنة ووسواس الناس . .
ويظهر ذلك من أمور : .
منها : أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته تبعاً له فهو في حق الناس أظهر . .
ومنها : أننا لو جعلنا الناس الأولى عامة لمن يوسوس إليه كان من الجنة ، والناس مصدر الوسوسة ، فيكون من وسواس الناس من يوسوس في صدور الجن . وهذا بعيد . .
ومنها : أنه لو كان لفظ الناس يشمل الجن والإنس ، لما احتيج إلى هذا التقسيم الجنة والناس ، واكتفى في الثانية بما اكتفى به في الأولى ، وكان يكون الذي يوسوس في صدور الناس من الناس ، ولكن جاء بيان محل الوسوسة صدور الناس ، ثم جاء مصدر الوسوسة الجنة والناس ، واللَّه تعالى أعلم . .
تنبيه .
ذكر أبو حيان في آخر تفسيره مقارنة لطيفة بين سورتي المعوذتين ، فقال : ولما كانت مضرة الدين ، وهي آفة الوسوسة أعظم من مضرة الدنيا وإن عظمت ، جاء البناء في الاستعاذة منها بصفات ثلاث : الرب ، والملك ، والإلاه ، وإن اتحد المطلوب .