@ 179 @ .
وعلى حد قوله تعالى : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } ، أطلق النادي ، وأراد من يحل فيه من القوم . .
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بحث تعدية الوسوسة تارة بإلى وتارة باللام ، ففي سورة الأعراف { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ } ، وفي طه : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ } . .
وحاصل ما ذكره في الجمع بينهما أحد أمرين : إما أن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض ، وذكر شواهده ، وإما أن يكون وسوس ، أي لأجله ووسوس إليه أي أنهى إليه الوسوسة ، ولكن هنا قال : { فِى صُدُورِ النَّاسِ } ، ولم يقل : إلى صدور الناس ، فهل هو من باب نيابة حروف الجر بعضها عن بعض أيضاً ؟ أم هي ظرف محض ؟ .
والظاهر أنها ظرف ، ولكن هل من الظرف للوسواس ، أو ظرف للوسوسة نفسها ؟ .
وبالنظر إلى كلام المفسرين ، فإن كلام ابن جرير يحتمل اعتبار المعنيين بدون تعيين . .
وأما القرطبي ، والألوسي ، فصرحا بما ظهر لهما ووصلا إليه . .
فقال القرطبي ، قال مقاتل : إن الشيطان في صورة خنزير يجري من مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وذكر الحديث ( إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه ) . .
وقال : إن أبا ثعلبة الخشني قال : سألت ربي أن يريني الشيطان ، ومكانه من ابن آدم ، فرأيته يداه في يديه ورجلاه في رجليه ومشاعيه في جسده ، غير أن له خطماً كخطم الكلب ؟ فإذا ذكر الله خنس ، وإذا سكت عن ذكر الله أخذ بقلبه . .
أما الألوسي فقد صرح بالتقسيم الذي أوردناه ، فقال : الذي يوسوس في صدور الناس . .
قيل : أريد قلوبهم مجازاً . .
وقال بعضهم : إن الشيطان يدخل الصدر الذي هو بمنزلة الدهليز ، فيلقي منه ما يريد إلقاءه إلى القلب ويوصله إليه ، ولا مانع عقلاً من دخوله في جوف إنسان . وساق الحديث أيضاً ( إن الشيطان يجري ) إلى آخره .