@ 177 @ .
وفي سورة الفاتحة { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } . .
والقراءة الأخرى { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } . .
في القراءتين معاً إشعار بالفرق بين ملك الله وملك العباد ، كالفرق بين الملك المطلق والملك النسبي ، إذ الملك النسبي لا يملك ، والملك المطلق ، فهو الملك القدوس ، والذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجع الخلائق كلهم . .
ومن كانت هذه صفاته ، فهو المستحق لأن يعبد وحده سبحانه ، ولا يشرك معه أحد ، وهذا هو شعار العبد في الركن الخامس من أركان الإسلام ، حين يهلّ بالتلبية : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك . { إِلَاهِ النَّاسِ } . هذه هي المرتبة الثالثة في كمال العبودية ، وإفراد الله تعالى بالألوهية . .
وهذا هو محل الإحالة ، التي عناها الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه فيما يظهر ، لأن العبد إذا أقر بأن الله ربه وخالقه ، ومنعم عليه أوجده من العدم ، ورباه بالنعم ، لا رب له سواه ، ثم تدرج بعلمه ويقينه إلى الإقرار بأن ربه هو مليكه والمتصرف في أمره وحده ، وأنه لا يملك هو نفسه مع الله شيئاً ، ولا يملك له أحد من الله شيئاً . .
وأن كل تصرفات العالم كله بأمره فلا يصل إليه خير إلا بإذنه ، ولا يصرف عنه ضرر إلا بأمره . .
وعرف في يقين : أنه عبد مملوك لمن بيده ملكوت السماوات والأرض ، توصل بعلمه هذا أن من كانت هذه صفاته ، كان هو وحده المستحق لإفراده بالعبادة وبالألوهية ، لا إلاه إلا هو . .
فيكون في خاتمة المصحف الشريف انتزاع الإقرار من العبد للَّه سبحانه بطريق الإلزام ، بالمعنى الذي أرسل الله به رسله ، وأنزل من أجله كتبه ، وهو أن يعبد الله وحده ، وهو ما صرح الشيخ به في الإحالة السابقة . .
وإذا كان الشيخ رحمه اللَّه ، قد نبه على مراعاة خاتمة المصحف ، فإنا لو رجعنا إلى أول المصحف وآخره لوجدنا ربطاً بديعاً ، إذ تلك الصفات الثلاث في سورة الناس