@ 134 @ الآخر مطلقاً ، مع أنه قد آمن بعضهم فيما بعد وعبد ما يعبده صلى الله عليه وسلم ، وأجاب عن ذلك بأحد أمرين : موجزهما أنها من جنس الكفار ، وإن أسلموا فيما بعد فهو خطاب لهم ما داموا كفاراً إلى آخره ، أو أنها من العام المخصوص ، فتكون في خصوص من حقت عليهم كلمات ربك . ا ه . ملخصاً . .
وقد ذكر أبو حيان وجهاً عن الزمخشري : أن ما يتعلق بالكفار خاص بالحاضر ، لأن ما إذا دخلت على اسم الفاعل تعينه للحاضر . .
وناقشه أبو حيان ، بأن ذلك في مغالب لا على سبيل القطع . .
والذي يظهر من سياق السورة ، قد يشهد لما ذهب إليه الزمخشري ، وهو أن السورة تتكلم عن الجانبين على سبيل المقابلة جهة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجهة الكفار في عدم عبادة كل منهما معبود الآخر . .
ولكنها لم تساو في اللفظ بين الطرفين ، فمن جهة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في الجملة الأولى { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } عبر عن كل منهما بالفعل المضارع الدال على الحال : أي لا أعبد الآن ما تعبدون الآن بالفعل . ثم قال : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } فعبر عنهم بالاسمية وعنه هو بالفعلية ، أي ولا أنتم متصفون بعبادة ما أعبد الآن . .
وفي الجملة الثانية قال : { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } . فعبر عنه بأنه ليس متصفاً بعبادة ما يعبدون ولا هم عابدون ما يعبد ، فكان وصفه هو صلى الله عليه وسلم في الجملتين بوصفين مختلفين بالجملة الفعلية تارة وبالجملة الاسمية تارة أخرى ، فكانت إحداهما لنفي الوصف الثابت ، والأخرى لنفي حدوثه فيما بعد . .
أما هم فلم يوصفوا في الجملتين إلا بالجملة الاسمية الدالة على الوصف الثابت ، أي في الماضي إلى الحاضر ، ولم يكن فيما وصفوا به جملة فعلية من خصائصها التجدد والحدوث ، فلم يكن فيها ما يتعرض للمستقبل فلم يكن إشكال ، واللَّه تعالى أعلم . .
فإن قيل : إن الوصف باسم الفاعل يحتمل الحال والاستقبال ، فيبقى الإشكال محتملاً . .
قيل : ما ذكره الزمخشري من أن دخول ما عليه تعينه للحال ، يكفي في نفي هذا الاحتمال ، فإن قيل : قد ناقشه أبو حيان . .
وقال : إنها أغلبية وليست قطعية .