@ 106 @ .
ومتى كان وجود الجدريّ طفرة وفجاءه ، إنه يظهر في حالات فردية ، ثم ينتشر هذا من الناحية العلمية ، وإدراك العقل ، لما عرف من ميكروب الجدري . .
ولكن ملابسات الحادثة تمنع من تصور ذلك عقلاً لعدم انتشاره في جميع أفراد المنطقة ، ولعدم تأثيره فعلاً بهذه الصورة ، ولعدم أيضًا تصور مجيئه فجاءة ، فدل العقل نفسه على عدم صحة هذا القول . .
ثم من ناحية أخرى إذا رددنا خوارق العادات لعدم تصور العقل لها ، فكيف نثبت مثل : حنين الجذع ، ونبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك ، وتسبيح الحصى في كفه صلوات الله وسلامه عليه ؟ .
وقد شاهد العقل الصورة ، وهي خروج الناقة من الصخرة لقوم صالح ، بل إننا الآن بالحس والعقل نشاهد ما لا ندرك كنهه في وسائل الإعلام ، ونسمع الصوت من الجماد مسجلاً على شريط بسيط جدًا . .
فهل ينفي الباقي ؟ بل كيف أثبت النصارى لعيسى ابن مريم عليه السلام إبراء الأكمه والأبرص . وإحياء الموتى ، وعمل الطير من الطين ، ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن اللَّه . .
وكيف أثبت اليهود لموسى أمر العصا وشق البحر ؟ وأين العقل من ذلك كله ؟ .
الواقع أننا في كل زمان ومع كل قضية ، يجب أن نلتزم جانب الاعتدال ، لا هو جري وراء كل خبر ، ولو كان إسرائيلياً ولا هو رد لكل نص ولو كان صريحاً قرآنياً ، بل كما قال السيد قطب في ذلك : .
يجب أن نستمد فكرنا من نصوص القرآن ، وأن ما يقرره نعتقده ونقول به . .
وقد ناقشنا هاتين الفكرتين القديمة التي استبعدت ذلك كلية ، والحديثة التي أولتها . .
ونضيف شيئاً آخر في جانب الفكرة الثانية ، وهي لعل مما حدا بأصحابها إلى ذلك ما جاء عن قتادة قوله : إنه لم ير الجدريّ بأرض العرب مثل تلك السنة . .
وقيل أيضاً : لم ير شجر الحنظل ، إلا في ذلك التاريخ . .
فيقال أيضاً : إن العقل لا يستبعد هنا أن يكون إهلاك هذا الجيش الكبير بتلك