@ 107 @ الحجارة في مكان معسكره في بطن الوادي ، ووقوع الجثث مصابة بها ، لا يمنع أن تتعفن ثم يتولد منها مكروب الجدريّ ، ولا مانع من ذلك . والعلم عند الله تعالى . .
تنبيه آخر .
قالوا : إن أصحاب هذا الجيش نصارى وهم أهل دين وكتاب ، وأهل مكة وثنيون لا دين لهم ، والكعبة ممتلئة بالأصنام ، فكيف أهلك الله النصارى أصحاب الدين ولم يسلطهم على الوثنيين ؟ .
وأجيب عن ذلك بعدة أجوبة . .
منها : أن الجيش ظالم باغ ، والبغي مرتعه وخيم ، ولو كان المظلوم أقل من الظالم ، ويشهد لذلك الحديث ( في نصرة المظلوم ، واستجابة دعوته ولو كان كافراً ) . .
ومنها : أن الوثنية اعتداء على حق الله في العبادة ، وغزو هذا الجيش اعتداء على حقوق العباد . .
ومنها : أنه إرهاص لمولد النَّبي صلى الله عليه وسلم ، إذ ولد في هذا العام نفسه . .
وكلها وإن كانت لها وجه من النظر ، إلا أنه يبدو لي وجه ، وهو أن الأصل في نشأة البيت وإقامته ، إنما هو الله رفع قواعده وأقام الصلاة في رحابه ، وكان طاهراً مطهراً للعاكفين فيه والركع السجود ، وإنما الوثنية طارئة عليه وإلى أمد قصير مداه ودنا منتهاه ، لدين جديد . .
والمسيحية بنفسها تعلم ذلك وتنص عليه وتبشر به ، فكانت معتدية على الحقين معاً ، حق الله في بيته ، والذي تعلم حرمته وماله ، وحق العباد الذين حوله . .
وكانت لو سلطت عليه بمثابة المنتصر على مبدأ صحيح ، مع فسادها مبدأ صحة وسلامة بناء البيت ، ووضعه البيت الذي من خصائصه أن يكون مثابة للناس وأمناً . .
فكيف لا يأمن هو نفسه من غزو الغزاة وطغيان الطغاة ، فصانه الله تعالى صيانة لمبدإ وجوده ، وحفاظًا على أصل وضعه في الأرض ، ويكفي نسبته للَّه بيت اللَّه . .
وقد أدرك أبو طالب هذا المعنى بعينه إذ قال لأبرهة :