@ 58 @ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ } ، وتقدم تفصيل ذلك عند أول سورة الحشر ، لأن الله أودع في الجمادات القدرة على الإدراك والنطق ، والمراد بإخبارها أنها تخبر عن أعمال كل إنسان عليها في حال حياته . .
ومما يشهد لهذا المعنى حديث المؤذن ( لا يسمع صوته حجر ولا مدر إلا وشهد له يوم القيامة ) ، وذكر ابن جرير وجهاً آخر ، وهو أن إخبارها هو ما أخرجته من أثقالها بوحي الله لها والأول أظهر لأنه يثبت معنى جديداً . ويشهد له الحديث الصحيح . { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } . في هاتين الآيتين مبحثان أحدهما في معنى من لعمومه ، والآخر في صيغة يعمل . .
أما الأول فهو مطروق في جميع كتب التفسير على حد قولهم : من للعموم المسلم والكافر ، مع أن الكافر لا يرى من عمل الخير شيئاً ، لقوله تعالى : { وَقَدِمْنَآ إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } ، وفي حق المسلم ، قد لا يرى كل ما عمل من شر ، لقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } . .
وقد بحث الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه هذه المسألة بتوسع في دفع إيهام الاضطراب بما يغني عن إيراده . .
أما المبحث الثاني فلم أر من تناوله بالبحث ، وهو في صيغة يعمل ، لأنها صيغة مضارع ، وهي للحال والاستقبال . .
والمقام في هذا السياق { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً } ، وهو يوم البعث ، وليس هناك مجال للعمل ، وكان مقتضى السياق أن يقال : فمن عمل مثقال ذرة خيراً يره . ولكن الصيغة هنا صيغة مضارع ، والمقام ليس مقام عمل ، ولكن في السياق ما يدل على أن المراد يعمل مثقال ذرة أي من الصنفين ما كان من ذلك ، لقوله تعالى { يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ } ، فهم إنما يروا في ذلك اليوم أعمالهم التي عملوها من قبل ، فتكون صيغة المضارع هنا من باب الالتفات ، حيث كان السياق أولاً من أول