@ 51 @ .
وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى أفضل ، واحتج من فضل الملائكة بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وقوله لا يعصون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . وقوله : { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ } . .
وبما في البخاري يقول اللَّه : ( من ذكرني في ملأ ذكرته في ملإ خير منه ) وهذا نص على أن الملأ الأعلى خير من ملا الأرض . .
واحتج من فضل بني آدم بقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } ، بالهمز من بَرأَ اللَّهُ الْخَلقُ ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم ) أخرجه أبو داود . .
وبأن الله يباهي بأهل عرفات الملائكة ، ولا يباهي إلا بالأفضل واللَّه تعالى أعلم . .
وقال بعض العلماء : ولا طريق إلى القطع بأن الملائكة خير منهم ، لأن طريق ذلك خبر اللَّه ، وخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع الأمة . .
وليس ها هنا شيء من ذلك خلافاً للقدرية والقاضي أبي بكر ، حيث قالوا : الملائكة أفضل . قال : وأما من قال من أصحابنا والشيعة : إن الأنبياء أفضل ، لأن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ، إلى آخره . .
ثم رد هذا الاستدلال . .
وقد سقنا هذا البحث لبيان الخلاف في هذه المسألة المشتمل عليها لفظ البرية ، وأعتقد أن المفاضلة جزئية لا كلية ، وذلك أن جنس البشر خلاف جنس الملائكة ، والملائكة فيهم النص بأنهم { عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } ، والبشر فيهم النص { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىءَادَمَ } ، والفرق بينهما ، كالفرق بين الاسم والفعل في الدلالة . .
ففي الملائكة بالاسم : مكرمون ، وهو يدل على الدوام والثبوت ، وفي بني آدم كرمنا ، وهو يدل على التجدد والحدوث . .
وهذا هو الواقع ، فالتكريم ثابت ولازم ودائم للملائكة بخلافه في بني آدم إذ فيهم