@ 50 @ فجر يوم الجمعة إلى طلوع الشمس خشية الساعة ) ، وهذا كله ليس عند الكافر منه شيء ، ثم في الآخرة لما يجمع الله جميع الدواب ويقتص للعجماء من القرناء ، فيقول لها : كوني تراباً ، فيتمنى الكافر لو كان مثلها فلم يحصل له ، كما قال : { يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِى كُنتُ تُرَاباً } . .
وذلك واللَّه تعالى أعلم : أن الدواب لم تعمل خيراً فتبقى لتجازى عليه ، ولم تعمل شراً لتعاقب عليه فكانت لا لها ولا عليها إلا ما كان فيما بينها وبين بعضها ، فلما اقتص لها من بعضها انتهى أمرها ، فكانت نهايتها عودتها إلى منبتها وهو التراب . بخلاف الكافر فإن عليه حساب التكاليف وعقاب المخالفة فيعاقب بالخلود في النار ، فكان شر البرية . { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَائِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } . الحكم هنا بالعموم ، كالحكم هناك . ولكنه هنا بالخيرية والتفضيل . .
أما من حيث الجنس فلا إشكال ، لأن الإنسان أفضل الأجناس { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِىءَادَمَ } . .
وأما من حيث العموم ، فقال بعض العلماء فيها ما يدل على أن صالح المؤمنين أفضل من الملائكة . .
ولعل مما يقوي هذا الاستدلال ، هو أن بعض أفراد جنس الإنسان أفضل من عموم أفراد جنس الملائكة ، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإذا فضل بعض أفراد الجنس لا يمنع في البعض الآخر ولكن هل بعض أفراد الأمة بعده أفضل من عموم أو بعض أفراد الملائكة ؟ هذا هو محل الخلاف . .
وللقرطبي مبحث في ذلك : مبناه على أصل المادة وورود النصوص من جهة أصل المادة إن كانت البرية مأخوذة من البري وهو التراب . فلا تدخل الملائكة تحت هذا التفضيل وإلا فتدخل . .
وأما من جهة النصوص ، فقال في سورة البقرة عند قوله : { قَالَ يَاءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ } ، قال المسألة الثالثة : اختلف العلماء في هذا الباب أيهما أفضل ، الملائكة أو بنو آدم ؟ على قولين ، فذهب قول إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة ، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة .