@ 32 @ وهو أنه لا منافاة بين القولين ، ويمكن الجمع بينهما ، بأن يكون نزل جملة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ، وبدء نزول أوله { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } ، في ليلة القدر . .
وقد أثير حول هذه المسألة جدال ونقاش كلامي حول كيفية نزول القرآن ، وأدخلوا فيها القول بخلق القرآن ، وأن جبريل نقله من اللوح المحفوظ ، وأن الله لم يتكلم به ، عند نزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم . .
وقد سئل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن ذلك ، وكتب جوابه وطبع ، فكان كافياً . وقد نقل فيه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، وبين أن الله تعالى تكلم به عند وحيه ، ورد على كل شبهة في ذلك . .
والواقع أنه لا تعارض كما تقدم ، بين كونه في اللوح المحفوظ ونزوله إلى السماء الدنيا جملة ، ونزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً ، لأن كونه في اللوح المحفوظ ، فإن اللوح فيه كل ما هو كائن وما سيكون إلى يوم القيامة ، ومن جملة ذلك القرآن الذي سينزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم . .
ونزوله جملة إلى سماء الدنيا ، فهو بمثابة نقل جزء مما في اللوح وهو جملة القرآن ، فأصبح القرآن موجوداً في كل من اللوح المحفوظ كغيره مما هو فيه ، وموجوداً في سماء الدنيا ثم ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً . .
ومعلوم أنه الآن هو أيضاً موجود في اللوح المحفوظ ، لم يخل منه اللوح ، وقد يستدل لإنزاله جملة ثم تنزيله منجماً بقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ، لأن نزل بالتضعيف تدل على التكرار كقوله : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ } ، أي في كل ليلة قدر . .
وقد جاء { أَنزَلْنَاهُ } ، فتدل على الجملة . .
وقد بينت السنة تفصيل تنزيله مفرقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وغيره أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله : كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ، حتى إذا فزع عن قلوبهم . قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق ، وهو العلي الكبير ) الحديث في صحيح البخاري .