@ 540 @ .
وما سواها : أي بالقدرة الباهرة ، والعلم الشامل . وذكرها بالمعنى الثاني ، فإنه في نظري أعظم من المعنى الأول ، وذلك أن القوى المدركة والمفكرة والمقدرة للأمور التي لها الاختيار ، ومنها القبول والرفض والرضى والسخط والأخذ والمنع ، فإنها عالم مستقل . .
وإنها كما قلنا أعظم مما تقدم ، لأن الجانب الخلقي قال تعالى فيه : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } ، ولكن في هذا الجانب قال : { إِنَّا عَرَضْنَا الاٌّ مَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاٌّ رْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } . .
ومعلوم أن بعض أفراد الإنسان حملها بصدق وأداها بوفاء ، ونال رضى الله تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه . .
فهذه النفس في تسويتها لتلقى معاني الخير والشر ، واستقبال الإلهام الإلهي للفجور ، والتقوى أعظم دلالة على القدرة من تلك الجمادات التي لا تبدي ولا تعيد ، والتي لا تملك سلباً ولا إيجاباً . .
وهنا مثال بسيط فيما استحدث من آلات حفظ وحساب ، كالآلة الحاسبة والعقل الألكتروني ، فإنها لا تخطىء كما يقولون ، وقد بهرت العقول في صفتها ، ولكن بنظرة بسيطة نجدها أمام النفس الإنسانية كقطرة من بحر . .
فنقول : إنها أولاً من صنع هذه النفس ذات الإدراك النامي والاستنتاج الباهر . .
ثانياً : هي لا تخطىء لأنها لا تقدر أن تخطىء ، لأن الخطأ ناشىء عن اجتهاد فكري ، وهي لا اجتهاد لها ، إنما تشير وفق ما رسم لها كالمادة المسجلة في شريط ، فإن المسجل مع دقة حفظة لها فإنه لا يقدر أن يزيد ولا ينقص حرفاً واحداً . .
أما الإنسان فإنه يغير ويبدل ، وعندما يبدل كلمة مكان كلمة ، فلقدرته على إيجاد الكلمة الأخرى ، أو لاختياره ترك الكلمة الأولى . .
وهكذا هنا ، فاللَّه تعالى هنا خلق تلك النفس أولاً ، ثم سواها على حالة تقبل تلقي الإلهام بقسيمة : الفجور والتقوى ، ثم تسلك أحد الطريقين ، فكأن مجيء القسم بها بعد