@ 343 @ .
وهل تكون الزيارة سنية إلا إذا دخل المسجد وصلى أولاً تحية المسجد ؟ .
وبهذا فلا انفكاك لشد الرحل إلى المسجد عن زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا لزيارته صلى الله عليه وسلم عن المسجد ، فلا موجب لهذا النزاع . .
وهنا وجهة نظر أخرى وهي ، أن قوله صلى الله عليه وسلم ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي فأرد عليه السلام ) . فإن إطلاقه عن كل قيد من قرب أو بعد مما يدل على العموم من حيث المجيء للسلام عليه . .
فيقال : إن هذه فضيلة عظيمة ولا يتأتى للبعيد تحصيلها إلا بشد الرحال إليها كوسيلة لتحصيلها والوسيلة تأخذ حكم الغاية من وجوب أو ندب أو إباحة ، كالسعي إلى الجمعة واجب ، لأن أداء الجمعة واجب ، وإعداد الثياب الجميلة إليها مثلاً مندوب ، لأن التجمل إليها مندوب ومثله إعداد الطيب بالنسبة لحضورها . .
وقد رأيت لشيخ الإسلام ابن تيمية مناقشة هذه المسألة ، ولكنه جاء بأمثلة قابلة هي للنقاش فقال : ليس كل غاية مشروعة تكون وسيلتها مشروعة ، كحج المرأة وخروجها إلى المسجد ، فإن الأول مشروط فيه وجود المحرم . والثاني : مشروط فيه إذن الزوج . .
والنقاش لها أن سفر المرأة مطلقاً ممنوع إلا مع المحرم ، سواء كان لهذا المسجد وللحج أو لغيره . .
وخروجها إلى المسجد ليس بمطلوب منها في الأصل ، ولكن إذا طلبت الإذن يؤذن لها . فالأصل فيه المنع حتى نحصل على الإذن . .
وعلى هذا يقال : لو كان شد الرحل إليها غير مشروع لما كان لفاعله نصيب في فضلها ، ولا يحصل على رد السلام منه صلى الله عليه وسلم . .
ولو كان كذلك للزم التنبيه عليه عند بيان فضيلته لعدم تأخير البيان ، فكأن يقال مثلاً : فأرد عليه السلام ، إلا من شد الرحل لذلك . أو يقال من أتاني من قريب فسلم عليَّ . . . إلخ . ولكن لم يأت شيء من هذا التنبيه وبقي الحديث على عمومه . .
وليعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يفرق بين السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عامة المسلمين ، لما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حقوق وخصائص ليست لغيره من وجوب محبة وتعظيم وفرضية صلاة