@ 359 @ .
وإن كانت لم تتعرض للنص بنفي ولا إثبات بل زادت شيئاً سكت عنه النص فلا يمكن أن تكون نسخاً لأنها إنما رفعت الإباحة العقلية التي هي البراءة الأصلية . .
ورفعها ليس نسخاً إجماعاً . .
وأما نسخ المتواتر بالآحاد . .
فالتحقيق الذي لا شك فيه أنه لا مانع منه ولا محذور فيه ، ولا وجه لمنعه ألبتة ، وإن خالف في ذلك جمهور أهل الأصول . .
لأن أخبار الآحاد الصحيحة الثابت تأخرها عن المتواتر لا وجه لردها ، ولا تعارض ألبتة بينها وبين المتواتر إذ لا تناقض بين خبرين اختلف زمنهما ، لجواز صدق كل منهما في وقته . .
فلو أخبرك مثلاً عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب ، بأن أخاك الغائب لم يزل غائباً ولم يأت منزله . .
لأنهم كانوا بمنزله وليس بموجود ، ثم أخبرك بعد ذلك رجل واحد بأن أخاك موجود في منزله الآن . .
فهل يسوغ لك أن نقول له كذبت ، لأني أخبرني عدد كثير قبلك أنه لم يأت ؟ .
ولو قلت له ذلك لقال لك هم في وقت إخبارهم لك صادقون ، ولكن أخاك جاء بعد ذلك . .
فالمتواتر في وقت نزوله صادق . .
وخبر الآحاد الوارد بعده صادق أيضاً . .
لأنه أفاد تجدد شيء لم يكن . .
فحصر المحرمات مثلاً في الأربع المذكورة في قوله تعالى : { قُل لاَ أَجِدُ فِى مَآ أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } . صادق في ذلك الوقت . .
لا يوجد محرم على طاعم بطعمه إلا تلك المحرمات الأربع . .
فلا تحرم في ذلك الوقت الحمر الأهلية ولا ذو الناب من السباع ولا الخمر ولا غير ذلك . .
فإذا جاء بعد آحاد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم : حرم لحوم الحمر الأهلية بخيبر ، فهل يسوغ لقائل أن يقول : .
هذا الخبر الصحيح مردود لأنه يعارض حصر المحرمات في الأربع المذكورة في آية : { قُل لاَ أَجِدُ فِى مَآ أُوْحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا } ؟ .
ولو قال ذلك لقيل له : .
هذا الخبر الصحيح لا تناقضه الآية ، لأنه إنما أفاد حكماً