@ 8 @ .
وكقوله تعالى : { فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } فبين أن زيغهم الأول ، كان سبباً لإزاغة الله قلوبهم ، وتلك الإزاغة قد تكون بالأكنة والطبع والختم على القلوب . .
وكقوله تعالى : { فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } وقوله تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . وقوله تعالى : { وَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } . .
وإيضاح هذا الجواب : أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم { قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِىءَاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } يقصدون بذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بأنهم لا يؤمنون به بوجه ، ولا يتبعونه بحال ، ولا يقرون بالحق الذي هو كون كفرهم هذا هو الجريمة ، والذنب الذي كان سبباً في الأكنة ، والوقر والحجاب . .
فدعواهم كاذبة ، لأن الله جعل لهم قلوباً يفهمون بها ، وآذاناً يسمعون بها ، خلافاً لما زعموا ، ولكنه ، سبب لهم الأكنة ، والوقر والحجاب ، بسبب مبادرتهم إلى الكفر ، وتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم . .
وهذا المعنى أوضحه رده تعالى على اليهود في قوله عنهم : { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } . .
وقد حاول الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة ، الجواب على الإشكال المذكور فقال : فإن قيل إنه تعالى حكى هذا المعنى عن الكفار فقال في معرض الذم ، وذكر أيضاً ما يقرب منه في معرض الذم ، فقال : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } ثم إنه تعالى ذكر هذه الأشياء الثلاثة بعينها في معنى التقدير والإثبات في سورة الأنعام ، فقال : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْراً } فكيف الجمع بينهما ؟ .
قلنا : إنه لم يقل ها هنا إنهم كذبوا في ذلك ، إنما الذي ذمهم عليه ، أنهم قالوا إذا إنا كنا كذلك ، لم يجز تكليفنا وتوجيه الأمر والنهي علينا ، وهذا الثاني باطل . .
أما الأول : فلأنه ليس في الآية ما يدل على أنهم كذبوا فيه . ا ه منه . والأظهر : هو ما ذكرنا .