@ 7 @ .
فالأكنة والوقر والحجاب المذكورة إنما جعلها الله عليهم ، مجازاة لكفرهم الأول . .
ومن جزاء السيئة ، تمادي صاحبها في الضلال ، ولله الحكمة البالغة في ذلك . .
والآيات المصرحة بمعنى هذا كثيرة في القرآن ، كقوله تعالى : { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } . .
فقول اليهود في هذه الآية { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } كقول كفار مكة : { قُلُوبُنَا } { فِى أَكِنَّةٍ } لأن الغلف ، جمع أغلف وهو الذي عليه غلاف ، والأكنة جمع كنان ، والغلاف والكنان كلاهما بمعنى الغطاء الساتر . .
وقد رد الله على اليهود دعواهم ببل التي هي للإضراب الإبطالي ، في قوله { بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } . .
فالباء في قوله : بكفرهم سببية ، وهي دالة على أن سبب الطبع على قلوبهم هو كفرهم ، والأكنة والوقر والطبع كلها من باب واحد . .
وكقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } ، والفاء في قوله : فطبع سببية أي ثم كفروا ، فطبع على قلوبهم بسبب ذلك الكفر . .
وقد قدمنا مراراً أنه تقرر في الأصول أن الفاء من حروف التعليل ، ومن المعلوم أن العلة الشرعية سبب شرعي . .
وكذلك الفاء في قوله : { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } فهي سببية أيضاً ، أي فطبع على قلوبهم ، فهم بسبب ذلك الطبع لا يفقهون أي لا يفهمون من براهين الله وحججه شيئاً . .
وذلك مما يبين أن الطبع والأكنة يؤول معناهما إلى شيء واحد ، وهو ما ينشأ عن كل منهما من عدم الفهم . .
لأنه قال في الطبع { فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } . .
وقال في الأكنة : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } أي كراهة أن يفقهوه ، أو لأجل ألا يفقهوه ، كما قدمنا إيضاحه .