@ 6 @ .
والأكنة ، جمع كنان ، وهو الغطاء والغلاف الذي يغطي الشيء ويمنعه من الوصول إليه . .
ويعنون أن تلك الأغطية ، مانعة لهم من فهم ما يدعوهم إليه صلى الله عليه وسلم ، وقالوا إن في آذانهم التي يسمعون بها وقراً أي : ثقلاً وهو الصمم . وأن ذلك الصمم مانع لهم من أن يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، ومما يقول ، كما قال تعالى عنهم : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَاذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْاْ فِيهِ } . .
وأن من بينهم وبينه حجاباً ، مانعاً لهم من الاتصال والاتفاق ، لأن ذلك الحجاب يحجب كلا منهما عن الآخر ، ويحول بينهم وبين رؤية ما يبديه صلى الله عليه وسلم من الحق . .
والله جل وعلا ، ذكر عنهم هذا الكلام في معرض الذم ، مع أنه تعالى صرح بأنه جعل على قلوبهم الأكنة ، وفي آذانهم الوقر ، وجعل بينهم وبين رسوله حجاباً ، عند قراءته القرآن ، قال تعالى في سورة بني إسرائيل : { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاٌّ خِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْرًا } . وقال تعالى في الأنعام { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا } ، وقال تعالى في الكهف : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُواْ إِذاً أَبَداً } . .
وهذا الإشكال الذي أشرنا إليه في هذه الآيات قوي ، ووجه كونه مشكلاً ظاهر ، لأنه تعالى ذمهم على دعواهم الأكنة والوقر والحجاب في هذه الآية الكريمة من فصلت ، وبين في الآيات الأخرى أن ما ذمهم على ادعائه واقع بهم فعلاً ، وأنه تعالى هو الذي جعله فيهم . .
فيقال : فكيف يذمون على قول شيء ، هو حق في نفس الأمر . .
والتحقيق في الجواب عن هذا الإشكال ، هو ما ذكرناه مراراً ، من أن الله إنما جعل على قلوبهم الأكنة ، وطبع عليها وختم عليها ، وجعل الوقر في آذانهم ، ونحو ذلك من الموانع من الهدى ، بسبب أنهم بادروا إلى الكفر ، وتكذيب الرسل طائعين مختارين ، فجزاهم الله على ذلك الذنب الأعظم ، طمس البصيرة ، والعمى عن الهدى ، جزاء وفاقاً .