@ 145 @ .
أمّا الأول منهما : وهو وجود القرينة الدالَّة على عدم صحته ، فهو أن قوله تعالى : { وَتَرَى الْجِبَالَ } معطوف على قوله : { فَفَزِعَ } ، وذلك المعطوف عليه مرتّب بالفاء على قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ } ، أي : ويوم ينفخ في الصور ، فيفزع من في السماوات وترى الجبال ، فدلّت هذه القرينة القرءانية الواضحة على أن مرّ الجبال مرّ السحاب كائن يوم ينفخ في الصور ، لا الآن . .
وأمّا الثاني : وهو كون هذا المعنى هو الغالب في القرءان فواضح ؛ لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلّها في يوم القيامة ؛ كقوله تعالى : { يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً } ، وقوله تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الاْرْضَ بَارِزَةً } ، وقوله تعالى : { وَسُيّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } ، وقوله تعالى : { وَإِذَا الْجِبَالُ سُيّرَتْ } . .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْء } ، جاء نحوه في آيات كثيرة ؛ كقوله تعالى : { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } ، وقوله تعالى : { مَّا تَرَى فِى خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِن تَفَاوُتٍ } ، وتسيير الجبال وإيجادها ونصبها قبل تسييرها ، كل ذلك صنع متقن . .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } ، قد قدّمنا الآيات التي بمعناه في أوّل سورة ( هود ) ، في الكلام على قوله تعالى : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } ، إلى قوله : { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } . { مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } . اعلم : أن الحسنة في هذه الآية الكريمة ، تشمل نوعين من الحسنات : .
الأول : حسنة هي فعل خير من أفعال العبد ، كالإنفاق في سبيل اللَّه ، وبذل النفس والمال في إعلاء كلمة اللَّه ، ونحو ذلك ، ومعنى قوله تعالى : { فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا } ، بالنسبة إلى هذا النوع من الحسنات ، أن الثواب مضاعف ، فهو خير من نفس العمل ؛ لأن من أنفق درهمًا واحدًا في سبيل اللَّه فأعطاه اللَّه ثواب هو سبعمائة درهم فله عند اللَّه ثواب هو سبعمائة درهم مثلاً ، خير من الحسنة التي قدمها التي هي إنفاق درهم واحد ، وهذا لا إشكال فيه كما ترى .