@ 146 @ .
وهذا المعنى توضحه آيات من كتاب اللَّه ؛ كقوله تعالى : { مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } ، ومعلوم أن عشر أمثال الحسنة خير منها هي وحدها ؛ وكقوله تعالى : { وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } ، وقوله تعالى : { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ } . .
وأمّا النوع الثاني من الحسنة : فكقول من قال من أهل العلم : إن المراد بالحسنة في هذه الآية : لا إلاه إلاّ اللَّه ، ولا يوجد شىء خير من لا إلاه إلا اللَّه ، بل هي أساس الخير كلّه ، والذي يظهر على هذا المعنى أن لفظة { خَيْرٌ } ليست صيغة تفضيل . .
وأن المعنى : { فَلَهُ خَيْرٌ } عظيم عند اللَّه حاصل له منها ، أي : من قبلها ومن أجلها ، وعليه فلفظة { مِنْ } في الآية ؛ كقوله تعالى : { مّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } ، أي : من أجل خطيآتهم أغرقوا ، فأدخلوا نارًا . وأمّا على الأول فخير صيغة تفضيل ، ويحتمل عندي أن لفظة { خَيْرٌ } على الوجه الثاني صيغة تفضيل أيضًا ، ولا يراد بها تفضيل شىء على لا إلاه إلاّ اللَّه ، بل المراد أن كلمة لا إلاه إلاّ اللَّه تعبَّد بها العبد في دار الدنيا ، وتعبُّده بها فعله المحض ، وقد أثابه اللَّه في الآخرة على تعبُّدِهِ بها ، وإثابة اللَّه فعله جلَّ وعلا ، ولا شكّ أن فعل اللَّه خير من فعل عبده ، والعلم عند اللَّه تعالى . { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ } . دلَّت على معناه آيات من كتاب اللَّه ؛ كقوله تعالى في أمنهم من الفزع : { لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاْكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ } ، وقوله تعالى في أمنهم : { وَمَا أَمْوالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ } ، وقوله تعالى : { أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ * مِن إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى } ، وقوله تعالى : { وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ } ، قرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي بتنوين { فُزّعَ } ، وفتح ميم { يَوْمَئِذٍ } ، وقرأه الباقون بغير تنوين ، بل بالإضافة إلى { يَوْمَئِذٍ } ، إلاّ أن نافعًا قرأ بفتح ميم { يَوْمَئِذٍ } مع إضافة { فُزّعَ } إليه ، وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو بإضافة { فُزّعَ } إلى { يَوْمَئِذٍ } مع كسر ميم { يَوْمَئِذٍ } ، وفتح الميم وكسرها من نحو { يَوْمَئِذٍ } ، قد أوضحناه بلغاته وشواهده العربية مع بيان المختار من اللغات في سورة