@ 141 @ .
والثاني : انتفاعه بذلك التلقين ، وكلاهما ثابت في الجملة ، أما سماعه لكلام الملقن فيشهد له سماعه لقرع نعل الملقن الثابت في الصحيحين ، وليس سماع كلامه بأبعد من سماع قرع نعله ؛ كما ترى . وأمّا انتفاعه بكلام الملقن ، فيشهد له انتفاعه بدعاء الحي وقت السؤال في حديث : ( سلوا لأخيكم التثبيت فإنه يسأل الآن ) ، واحتمال الفرق بين الدعاء والتلقين قوى جدًا كما ترى ، فإذا كان وقت السؤال ينتفع بكلام الحي الذي هو دعاؤه له ، فإن ذلك يشهد لانتفاعه بكلام الحي الذي هو تلقينه إياه ، وإرشاده إلى جواب الملكين ، فالجميع في الأول سماع من الميت لكلام الحي ، وفي الثاني انتفاع من الميت بكلام الحي وقت السؤال ، وقد علمت قوة احتمال الفرق بين الدعاء والتلقين . .
وفي ذلك كله دليل على سماع الميّت كلام الحي ، ومن أوضح الشواهد للتلقين بعد الدفن السّلام عليه ، وخطابه خطاب من يسمع ، ويعلم عند زيارته ، كما تقدّم إيضاجه ؛ لأن كلاًّ منهما خطاب له في قبره ، وقد انتصر ابن كثير رحمه اللَّه في تفسير سورة ( الروم ) ، في كلامه على قوله تعالى : { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء } ، إلى قوله : { فَهُم مُّسْلِمُونَ } ، لسماع الموتى ، وأورد في ذلك كثيرًا من الأدلّة التي قدمنا في كلام ابن القيّم ، وابن أبي الدنيا وغيرهما ، وكثيرًا من المرائي الدالَّة على ذلك ، وقد قدّمنا الحديث الدالّ على أن المرائي إذا تواترت أفادت الحجّة ، ومما قال في كلامه المذكور : وقد استدلّت أُمّ المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها بهذه الآية : { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، على توهيم عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما ، في روايته مخاطبة النبيّ صلى الله عليه وسلم القتلى الذين ألقوا في قليب بدر بعد ثلاثة أيام ، إلى أن قال : والصحيح عند العلماء رواية عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما ، لما لها من الشواهد على صحتها ، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البرّ مصحّحًا له عن ابن عباس مرفوعًا : ( ما من أحد يمرّ بقبر أخيه المسلم كان يعرفه ) ، الحديث . .
وقد قدّمناه في هذا المبحث مرارًا ، وبجميع ما ذكرنا في هذا المبحث ، في الكلام على آية ( النمل ) هذه ، تعلم أن الذي يرجّحه الدليل : أن الموتى يسمعون سلام الأحياء وخطابهم سواء قلنا : إن اللَّه يردّ عليهم أرواحهم حتى يسمعوا الخطاب ويردّوا الجواب ، أو قلنا : إن الأرواح أيضًا تسمع وتردّ بعد فناء الأجسام ، لأنا قد قدّمنا أن هذا ينبني على مقدّمتين ، ثبوت سماع الموتى بالسنة الصحيحة ، وأن القرءان لا يعارضها على التفسير