@ 142 @ الصحيح الذي تشهد له القرائن القرءانيّة ، واستقراء القرءان ، وإذا ثبت ذلك بالسنة الصحيحة من غير معارض من كتاب ، ولا سنّة ظهر بذلك رجحانه على تأوّل عائشة رضي اللَّه عنها ، ومن تبعها بعض آيات القرءان ، كما تقدّم إيضاحه . وفي الأدلّة التي ذكرها ابن القيّم في كتاب الروح على ذلك مقنع للمنصف ، وقد زدنا عليها ما رأيت ، والعلم عند اللَّه تعالى . { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِأايَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ } . ظاهر هذه الآية الكريمة خصوص الحشر بهذه الأفواج المكذبة بآيات اللَّه ، ولكنه قد دلَّت آيات كثيرة على عموم الحشر لجميع الخلائق ؛ كقوله تعالى بعد هذا بقليل : { وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ } ، وقوله تعالى : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً } ، وقوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } ، وقوله تعالى : { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الاْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْء ثُمَّ إِلَى رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ } ، إلى غير ذلك من الآيات . .
وقد أوضحنا في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) ، في آية ( النمل ) هذه ، في الكلام على وجه الجمع بين قوله تعالى فيها : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجاً } الآية ، وبين قوله تعالى : { وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ } ، ونحوها من الآيات ، وذكرنا قول الألوسي في تفسيره أن قوله : { وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ } في الحشر العام لجميع الناس للحساب والجزاء . وقوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجاً } ، في الحشر الخاص بهذه الأفواج المكذبة ؛ لأجل التوبيخ المنصوص عليه في قوله هنا : { حَتَّى إِذَا جَاءوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِئَايَاتِى وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } ، وهذا يدلّ عليه القرءان ، كما ترى . .
وقال بعضهم : هذه الأفواج التي تحشر حشرًا خاصًّا هي رؤساء أهل الضلال وقادتهم ، وعليه فالآية كقوله تعالى : { فَوَرَبّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَانِ عِتِيّاً } ، والفوج : الجماعة من الناس . ومنه قوله تعالى : { يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً } ، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة : { فَهُمْ يُوزَعُونَ } ، أي : يردّ أوّلهم على