@ 140 @ المهري ، قال : حضرنا عمرو بن العاص ، وهو في سياقة الموت ، فبكى طويلاً وحوّل وجهه إلى الجدار ، الحديث . وقد قدّمنا محل الغرض منه بلفظه في كلام ابن القيّم المذكور ، وقدّمنا أن حديث عمرو هذا له حكم الرفع ، وأنه دليل صحيح على استئناس الميّت بوجود الأحياء عند قبره . .
وقال النووي في ( روضة الطالبين ) ، ما نصّه : ويستحبّ أن يلقن الميّت بعد الدفن ، فيقال : يا عبد اللَّه ابن أمة اللَّه اذكر ما خرجت عليه من الدنيا : شهادة ألا إلاه إلاّ اللَّه ، وأنّ محمّدًا رسول اللَّه ، وأنَّ الجنّة حقّ ، وأن النار حقّ ، وأن البعث حقّ ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن اللَّه يبعث من في القبور ، وأنت رضيت باللَّه ربًّا ، وبالإسلام دينًا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ، وبالقرءان إمامًا ، وبالكعبة قبلة ، وبالمؤمنين إخوانًا ، وردّ به الخبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . .
قلت : هذا التلقين استحبّه جماعات من أصحابنا ، منهم القاضي حسين ، وصاحب التتمة ، والشيخ نصر المقدسي في كتابه ( التهذيب ) وغيرهم ، ونقله القاضي حسين عن أصحابنا مطلقًا ، والحديث الوارد فيه ضعيف ، لكن أحاديث الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم من المحدثين وغيرهم ، وقد اعتضد هذا الحديث بشواهد من الأحاديث الصحيحة ؛ كحديث : ( اسألوا له التثبيت ) ، ووصية عمرو بن العاص : أقيموا عند قبري قدر ما تنحر جزور ، ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأعلم ماذا أراجع به رسل ربّي ، رواه مسلم في صحيحه ، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا التلقين ، من العصر الأول ، وفي زمن من يقتدى به ، اه محل الغرض من كلام النووي . .
وبما ذكر ابن القيّم وابن الطلاع ، وصاحب المدخل من المالكية ، والنووي من الشافعية ، كما أوضحنا كلامهم تعلم أن التلقين بعد الدفن له وجه قوي من النظر ؛ لأنه جاء فيه حديث ضعيف ، واعتضد بشواهد صحيحة ، وبعمل أهل الشام قديمًا ، ومتابعة غيرهم لهم . .
وبما علم في علم الحديث من التساهل في العمل بالضعيف ، في أحاديث الفضائل ، ولا سيّما المعتضد منها بصحيح ، وإيضاح شهادة الشواهد له أن حقيقة التلقين بعد الدفن ، مركبة من شيئين : .
أحدهما : سماع الميّت كلام ملقنه بعد دفنه .