@ 139 @ وأحرى ، واستدلاله لذلك بحديث أبي داود : ( سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل ) ، له وجه من النظر ؛ لأنه إذا كان يسمع سؤال السائل فإنه يسمع تلقين الملقن ، واللَّه أعلم . .
والفرق بين سماعه سؤال الملك وسماعه التلقين من الدافنين محتمل احتمالاً قويًّا ، وما ذكره بعضهم من أن التلقين بعد الموت لم يفعله إلا أهل الشام ، يقال فيه : إنهم هم أول من فعله ، ولكن الناس تبعوهم في ذلك ، كما هو معلوم عند المالكية والشافعية . قال الشيخ الحطاب في كلامه على قول خليل بن إسحاق المالكي في مختصره : وتلقينه الشهادة ، وجزم النووي باستحباب التلقين بعد الدفن . وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة والإرشاد ، وقد سئل عنه أبو بكر بن الطلاع من المالكية ، فقال : هو الذي نختاره ونعمل به ، وقد روينا فيه حديثًا عن أبي أُمامة ليس بالقوي ، ولكنه اعتضد بالشواهد ، وعمل أهل الشام قديمًا ، إلى أن قال : وقال في المدخل : ينبغي أن يتفقده بعد انصراف الناس عنه ، من كان من أهل الفضل والدين ، ويقف عند قبره تلقاء وجهه ويلقنه ؛ لأن الملكين عليهما السلام ، إذ ذاك يسألانه وهو يسمع قرع نعال المنصرفين . .
وقد روى أبو داود في سننه عن عثمان رضي اللَّه عنه ، قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميّت وقف عليه ، وقال : ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ) ، إلى أن قال : وقد كان سيّدي أبو حامد بن البقال ، وكان من كبار العلماء والصلحاء ، إذا حضر جنازة عزى وليّها بعد الدفن ، وانصرف مع من ينصرف ، فيتوارى هنيهة حتى ينصرف الناس ، ثم يأتي إلى القبر ، فيذكرّ الميّت بما يجاوب به الملكين عليهما السلام ، انتهى محل الغرض من كلام الحطاب . وما ذكره من كلام أبي بكر بن الطلاع المالكي له وجه قوي من النظر ، كما سترى إيضاحه إن شاء اللَّه تعالى . ثم قال الحطاب : واستحب التلقين بعد الدفن أيضًا القرطبي والثعالبي وغيرهما ، ويظهر من كلام الأبي في أوّل كتاب الجنائز يعني من صحيح مسلم ، وفي حديث عمرو بن العاص في كتاب ( الإيمان ) ميل إليه ، انتهى من الحطاب . وحديث عمرو بن العاص المشار إليه ، هو الذي ذكرنا محل الغرض منه في كلام ابن القيم الطويل المتقدّم . .
قال مسلم في ( صحيحه ) : حدّثنا محمّد بن المثنى العنزي ، وأبو معن الرقاشي ، وإسحاق بن منصور ، كلّهم عن أبي عاصم . واللفظ لابن المثنى : حدّثنا الضحاك ، يعني أبا عاصم ، قال : أخبرنا حيوة بن شريح ، قال : حدّثني يزيد بن أبي حبيب ، عن ابن شماسة