@ 138 @ علم صحة ذلك بالقرائن ، وكان في الوصية التي نفذها عوف إعطاء عشرة دنانير ليهودي من تركة الصعب كانت دينًا له عليه ، ومات قبل قضائها . .
قال ابن القيّم : وهذا من فقه عوف بن مالك رضي اللَّه عنه ، وكان من الصحابة حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة بعد موته ، وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها ، من أن الدنانير عشرة وهي في القرن ، ثم سأل اليهودي فطابق قوله ما في الرؤيا فجزم عوف بصحة الأمر ، فأعطى اليهودي الدنانير ، وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم ، وهم أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولعلّ أكثر المتأخرين ينكر ذلك ، ويقول : كيف جاز لعوف أن ينقل الدنانير من تركة صعبة ، وهي لأيتامه وورثته إلى يهودي بمنام . ثم ذكر ابن القيم تنفيذ خالد وأبي بكر الصديق رضي اللَّه عنهما ، وصية ثابت بن قيس بن شماس رضي اللَّه عنه بعد موته ، وفي وصيّته المذكورة قضاء دين عينه لرجل في المنام ، وعتق بعض رقيقه ، وقد وصف للرجل الذي رآه في منامه الموضع الذي جعل فيه درعه الرجل الذي سرقها ، فوجدوا الأمر كما قال ، وقصّته مشهورة . .
وإذا كانت وصية الميّت بعد موته قد نفذها في بعض الصور أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك يدلّ على أنه يدرك ويعقل ويسمع ، ثم قال ابن القيم في خاتمه كلامه الطويل : والمقصود جواب السائل وأن الميّت إذا عرف مثل هذه الجزئيات وتفاصيلها ، فمعرفته بزيارة الحي له وسلامه عليه ودعائه له أولى وأحرى ، اه . .
فكلام ابن القيم هذا الطويل الذي ذكرنا بعضه جملة وبعضه تفصيلاً ، فيه من الأدلّة المقنعة ما يكفي في الدلالة على سماع الأموات ، وكذلك الكلام الذي نقلنا عن شيخه أبي العباس بن تيمية ، وفي كلامهما الذي نقلنا عنهما أحاديث صحيحة ، وآثار كثيرة ، ومرائي متواترة وغير ذلك ، ومعلوم أن ما ذكرنا في كلام ابن القيّم من تلقين الميّت بعد الدفن ، أنكره بعض أهل العلم ، وقال : إنه بدعة ، وأنه لا دليل عليه ، ونقل ذلك عن الإمام أحمد وأنه لم يعمل به إلاّ أهل الشام ، وقد رأيت ابن القيم استدلّ له بأدلّة ، منها : أن الإمام أحمد رحمه اللَّه سئل عنه فاستحسنه . واحتجّ عليه بالعمل . ومنها : أن عمل المسلمين اتّصل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار . ومنها : أن الميّت يسمع قرع نعال الدافنين إذا ولّوا مدبرين ، واستدلاله بهذا الحديث الصحيح استدلال قوي جدًّا ؛ لأنه إذا كان في ذلك الوقت يسمع قرع النعال ، فلأن يسمع الكلام الواضح بالتلقين من أصحاب النعال أولى