@ 134 @ حتى أسمعهم توبيخًا ، وتصغيرًا ، ونقمة ، وحسرة ، وتنديمًا ، وعائشة قالت فيما ذكرته كما تأوّلت . .
والنص الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مقدّم على تأويل من تأوّل من أصحابه وغيره ، وليس في القرءان ما ينفى ذلك ، فإن قوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، إنما أراد به السماع المعتاد الذي ينفع صاحبه ، فإن هذا مثل ضربه اللَّه للكفار ، والكفار تسمع الصوت ، لكن لا تسمع سماع قبول بفقه واتّباع ؛ كما قال تعالى : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء } ، فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع ، بل السماع المعتاد كما لم ينف ذلك عن الكفّار ، بل انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به . وأمّا سماع آخر فلا ينفى عنهم ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن الميّت يسمع خفق نعالهم ، إذا ولّوا مدبرين ، فهذا موافق لهذا فكيف يرفع ذلك ، انتهى محل الغرض من كلام أبي العباس ابن تيمية . وقد تراه صرّح فيه بأن تأوّل عائشة لا يردّ به النصّ الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم ، وأنه ليس في القرءان ما ينفي السماع الثابت للموتى في الأحاديث الصحيحة . .
وإذا علمت به أن القرءان ليس فيه ما ينفي السماع المذكور ، علمت أنه ثابت بالنصّ الصحيح ، من غير معارض . .
والحاصل أن تأوّل عائشة رضي اللَّه عنها بعض آيات القرءان ، لا تردّ به روايات الصحابة العدول الصحيحة الصريحة عنه صلى الله عليه وسلم ، ويتأكّد ، ذلك بثلاثة أمور : .
الأول : هو ما ذكرناه الآن من أن رواية العدل لا تردّ بالتأويل . .
الثاني : أن عائشة رضي اللَّه عنها لما أنكرت رواية ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إنهم ليسمعون الآن ما أقول ) ، قالت : إن الذي قاله صلى الله عليه وسلم : ( إمهم ليعلمون الآن أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ) ، فأنكرت السماع ونفته عنهم ، وأثبتت لهم العلم ، ومعلوم أن من ثبت له العلم صحّ منه السماع ، كما نبّه عليه بعضهم . .
الثالث : هو ما جاء عنها مما يقتضي رجوعها عن تأويلها ، إلى الروايات الصحيحة . .
قال ابن حجر في ( فتح الباري ) : ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيّد ، عن عائشة مثل حديث أبي طلحة ، وفيه : ( ما أنتمع بأسمع لما