@ 132 @ الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء اللَّه بكم للاحقون ) ، ثم قال مسلم رحمه اللَّه : حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وزهير بن حرب ، قالا : حدّثنا محمد بن عبد اللَّه الأسدي عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فكان قائلهم يقول في رواية أبي بكر : ( السلام على أهل الديار ) ، وفي رواية زهير : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء اللَّه بكم للاحقون ، نسأل اللَّه لنا ولكم العافية ) ، انتهى من ( صحيح مسلم ) . وخطابه صلى الله عليه وسلم لأهل القبور بقوله : ( السلام عليكم ) ، وقوله : ( وإنا إن شاء اللَّه بكم ) ، ونحو ذلك يدلّ دلالة واضحة على أنهم يسمعون سلامه لأنهم لو كانوا لا يسمعون سلامه وكلامه لكان خطابه لهم من جنس خطاب المعدوم ، ولا شكّ أن ذلك ليس من شأن العقلاء ، فمن البعيد جدًّا صدوره منه صلى الله عليه وسلم ، وسيأتي إن شاء اللَّه ذكر حديث عمرو بن العاص الدالّ على أن الميّت في قبره يستأنس بوجود الحيّ عنده . .
وإذا رأيت هذه الأدلّة الصحيحة الدالَّة على سماع الموتى ، فاعلم أن الآيات القرءانية ؛ كقوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، وقوله : { وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى الْقُبُورِ } لا تخالفها ، وقد أوضحنا الصحيح من أوجه تفسيرها ، وذكرنا دلالة القرائن القرءانية عليه ، وأن استقراء القرءان يدلّ عليه . .
وممّن جزم بأن الآيات المذكورة لا تنافي الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا أبو العباس ابن تيمية ، فقد قال في الجزء الرابع من ( مجموع الفتاوي ) من صحيفة خمس وتسعين ومائتين ، إلى صحيفة تسع وتسعين ومائتين ، ما نصّه : وقد تعاد الروح إلى البدن في غير وقت المسألة ، كما في الحديث الذي صححه ابن عبد البرّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، أنّه قال : ( ما من رجل يمرّ بقبر الرجل الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلّم عليه ، إلاّ ردّ اللَّه عليه روحه حتى يردّ عليه السّلام ) . وفي سنن أبي داود وغيره عن أوس بن أبي أوس الثقفي ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : ( إن خير أيامكم يوم الجمعة ، فأكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فإن صلاتكم معروضة عليّ ) ، قالوا : يا رسول اللَّها كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ فقال : ( إن اللَّه حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) ، وهذا الباب فيه من الأحاديث والآثار ، ما يضيق هذا الوقت عن استقصائه ، مما يبيّن أن الأبدان التي في القبور تنعم وتعذّب إذا شاء اللَّه ذلك كما يشاء ، وأن الأرواح باقية بعد مفارقة البدن ومنعمة أو معذّبة ، ولذا أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالسّلام على الموتى ، كما ثبت في الصحيح والسنن أنه كان يعلّم