@ 129 @ كلّمهم ، وأن قول عائشة رضي اللَّه عنها ومن تبعها : إنهم لا يسمعون ، استدلالاً بقوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى } ، وما جاء بمعناها من الآيات غلط منها رضي اللَّه عنها ، وممن تبعها . .
وإيضاح كون الدليل يقتضي رجحان ذلك ، مبني على مقدّمتين : .
الأولى منهما : أن سماع الموتى ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعدّدة ، ثبوتًا لا مطعن فيه ، ولم يذكر صلى الله عليه وسلم أن ذلك خاص بإنسان ولا بوقت . .
والمقدمة الثانية : هي أن النصوص الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم في سماع الموتى لم يثبت في الكتاب ، ولا في السنة شىء يخالفها ، وتأويل عائشة رضي اللَّه عنها بعض الآيات على معنى يخالف الأحاديث المذكورة ، لا يجب الرجوع إليه ؛ لأن غيره في معنى الآيات أولى بالصواب منه ، فلا ترد النصوص الصحيحة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بتأوّل بعض الصحابة بعض الآيات ، وسنوضح هنا إن شاء اللَّه صحة المقدمتين المذكورتين ، وإذا ثبت بذلك أن سماع الموتى ثابت عنه صلى الله عليه وسلم من غير معارض صريح ، علم بذلك رجحان ما ذكرنا ، أن الدليل يقتضي رجحانه . .
أمّا المقدمة الأولى ، وهي ثبوت سماع الموتى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقد قال البخاري في صحيحه : حدّثني عبد اللَّه بن محمد ، سمع روح بن عبادة ، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، قال : ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة أن نبيّ اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش ، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال ، فلمّا كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها ، ثم مشى واتّبعه أصحابه ، وقالوا : ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الركي ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم : ( يا فلان ابن فلان ، ويا فلان ابن فلان ، أيسرّكم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله ، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقًا ، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا ) ؟ قال : فقال عمر : يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما تكلم من أجساد لا أرواح لهاا ! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمّد بيده ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ) ، قال قتادة : أحياهم اللَّه له ، حتى أسمعهم توبيخًا وتصغيرًا ونقمة وحسرة وندمًا ، فهذا الحديث الصحيح أقسم فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الأحياء الحاضرين ليسوا بأسمع لما يقول صلى الله عليه وسلم من أولئك الموتى بعد ثلاث ، وهو نص صحيح صريح في سماع الموتى ، ولم يذكر صلى الله عليه وسلم في ذلك