@ 128 @ وَنِدَاء } ، فهكذا الموتى الذين ضرب بهم المثل لا يجب أن ينفى عنهم جميع أنواع السماع ، كما لم ينف ذلك عن الكفار ، بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذين ينتفعون به ، وأمّا سماع آخر فلا ، وهذا التفسير الثاني جزم به واقتصر عليه أبو العباس ابن تيمية ، كما سيأتي إيضاحه إن شاء اللَّه في هذا المبحث . .
وهذا التفسير الأخير دلَّت عليه أيضًا آيات من كتاب اللَّه ، جاء فيها التصريح بالبكم والصمم والعمى مسندًا إلى قوم يتكلّمون ويسمعون ويبصرون ، والمراد بصممهم ، صممهم عن سماع ما ينفعهم دون غيره ، فهم يسمعون غيره ، وكذلك في البصر والكلام ، وذلك كقوله تعالى في المنافقين : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } ، فقد قال فيهم : { صُمٌّ بُكْمٌ } مع شدّة فصاحتهم وحلاوة ألسنتهم ، كما صرّح به في قوله تعالى فيهم : { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } ، أي : لفصاحتهم ، وقوله تعالى : { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } ، فهؤلاء الذين إن يقولوا تسمع لقولهم ، وإذا ذهب الخوف سلقوا المسلمين بألسنة حداد ، هم الذين قال اللَّه فيهم : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } ، وما ذلك إلاَّ أن صممهم وبكمهم وعماهم بالنسبة إلى شىء خاص ، وهو ما ينتفع به من الحقّ ، فهذا وحده هو الذي صمّوا عنه فلم يسمعوه ، وبكموا عنه فلم ينطقوا به ، وعموا عنه فلم يروه مع أنهم يسمعون غيره ويبصرونه ، وينطقون به ؛ كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مّن شَىْء } ، وهذا واضح كما ترى . .
وقد أوضحنا هذا غاية الإيضاح مع شواهده العربية في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) ، في سورة ( البقرة ) ، في الكلام على وجه الجمع بين قوله في المنافقين : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ } ، مع قوله فيهم : { وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } ، وقوله فيهم : { سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } ، وقوله فيهم أيضًا : { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } ، وقد أوضحنا هناك أن العرب تطلق الصمم وعدم السماع على السماع ، الذي لا فائدة فيه ، وذكرنا بعض الشواهد العربية على ذلك . .
مسألة تتعلق بهذه الآية الكريمة .
اعلم أن الذي يقتضي الدليل رجحانه هو أن الموتى في قبورهم يسمعون كلام من